ترجمة: نصر عبد الرحمن
”مونيكا علي” أحد الأصوات الروائية المُتميزة على الساحة الإبداعية في بريطانيا الآن، وتحظى أعمالها باهتمام كبير منذ روايتها الأولى “بريك لين”؛ التي أثارت ضجة كبيرة فور صدورها، وتحولت إلى فيلم سينمائي. ولدت “مونيكا” في بنجلاديش في 20 أكتوبر 1967، لابن بنغالي وأم انجليزية، وانتقلت مع عائلتها إلى انجلترا وهي في الثالثة من عمرها. درست الاقتصاد والسياسة والفلسفة بجامعة أوكسفورد. صدرت روايتها الأولي “بريك لين” عام 2003، واسم الرواية هو اسم شارع رئيسي في الحي الذي تقطنه غالبية بنغالىة في العاصمة البريطانية لندن. وبعد ثلاث سنوات، أصدرت روايتها الثانية “إلىنتيجو بلو”، واسم الرواية هو اسم القرية التي تدور فيها الأحداث في البرتغال. وفي عام 2009، أصدرت روايتها الثالثة “في المطبخ”، وفي عام 2011، أصدرت روايتها الرابعة “قصة غير مروية”.
تبدو روايتك “في المطبخ” شديدة الواقعية، هل هي نتيجة تجربة حياتية؟
ظلت فكرة الرواية تدور في رأسي لسنوات، ثم قضيتُ عامًا كاملاً في الإعداد لها. خلال فترة الإعداد، أجريت بحثاً مُكثفاً في منطقة شمال لندن، حيث تجري أغلب أحداث الرواية، وقضيتُ وقتاً طويلاً في مطابخ خمسة فنادق كبيرة، وبالطبع لن أذكر أسماءها. حين دخلت إلى عالم الفنادق، أدركت أن الفندق سيكون مكان روايتي على الفور. الفندق هو صورة مُصغرة للمجتمع ستجد فيه كل شيء بداية من الجناح الفاخر إلى الحمال وعامل جمع القمامة، ولكن المطبخ هو الذي اجتذبني. المطبخ يشبه أحد اجتماعات الأمم المتحدة، يعمل به أشخاص من جنسيات مُتعددة، وبالتالى يحفل بالحكايات المتنوعة.
وما الذي جعلك تكتبين عن حياة أحد الطهاة؟
هناك شغف بالطهاة في الولايات المتحدة وبريطانيا، وخاصة المشاهير منهم علي شاشة التلفزيون، ولكنهم ليسوا التعبير الأمثل عن عالم الطهاة. اعتقد أنني رغبت في النظر من خلف الكواليس لكي أرى المشاهد الحقيقية خلف تقديم طعام جذاب. المطبخ مكان عمل ضاغط للغاية، ولكنه يشهد الكثير من الأحداث الدرامية.
هناك إيحاءات عديدة في الرواية إلى شخصية الطاهي “جابي” ذو طبيعة ملائكية، هذا إضافة إلى معنى اسمه الحقيقي “جبرائيل”. هل تعتبرينه ملاكًا ساقطًا، وما هو شعورك نحوه؟
يتصارع “جابي” مع نفسه على الدوام، ويخوض معارك كي يجد تفسيراً للطريقة التي يتصرف بها؛ والتي لا يرضى عنها. علاقته بنفسه سيئة من عدة جوانب، وهو يخوض رحلة ذات بُعد عاطفي على مدار الرواية. جوهر هذه الرحلة هو الإيمان والأمل والحب. في البداية، يفقد الإيمان بكل شيء وبكل الناس، حتى نفسه ولكنه يجد أملاً في الإنسانية في النهاية. ورغم أنه وصل إلى حافة إلىأس، إلا أن الإحساس بالمسؤولية والارتباط بمن حوله من أشخاص منحه نوعاً من الأمل. كان عليه إعادة ترتيب أولوياته الحقيقية، ووصل إلى قناعة بالحب ومعناه، خاصة في الإطار العائلي.
ما هي الشخصية التي استمتعتِ بكتابتها؟
شخصية “جابي”. كانت تراودني فكرة الكتابة عن رجل يُضطر إلى الحياة في مُجتمع حديث مُتعدد الثقافات. يشعر في البداية بقدرته على التحرك بحرية في الوسط المُحيط به، دون أن يكون لديه عمل دائم أو روابط عائلية قوية، أو وجهات نظر ثابتة تجاه الثقافات التي تحيط به. ولكن مع تزايد الضغوط عليه، يبدأ في التساؤل حول كل شيء في حياته وعن ذاته. يشعر في تلك المرحلة أن حياته مُجرد خواء.
كيف تكتبين شخصياتك؟
تبدأ كل شخصية كهمسة في رأسي، أنتظر حتى تتحول الهمسة إلى صوت صاخب ولحوح؛ فأشعر أن الوقت قد حان لكتابتها. لقد استمتعت بكتابة شخصيات متنوعة في هذه الرواية، من “جليسون” مدير المطبخ المُخادع، إلى “مادوكس” المدير العام المُتنمر بالآخرين.
هل تعكس الرواية أزمة الهوية البريطانية؟
لقد تغيرت لندن بسرعة، مثلها مثل العديد من المُدن الكبيرة في الغرب، نتيجة موجة الهجرات الجديدة. وهناك جدل في أجزاء كثيرة في الرواية حول الهوية البريطانية، وحول غياب قيمنا الأساسية التي يتشدق بها رجال السياسة طوال الوقت. لم يكن “جابي” يهتم في البداية بمن يعملون معه، ولا يود معرفة أي شيء عن تفاصيل حياتهم ولا من أين أتوا، فقد كان مُنغمسًا في قصته الخاصة وأسراره العائلية، لكن موت الحمّال غير كل هذا، وجعله يرى العاملين معه باعتبارهم آدميين، وفتح عينه على القضايا الاجتماعية.
لقد ناقشت الرواية عدة قضايا اجتماعية، منها قضية المُهاجرين، هل هذه هي الفكرة التي دفعتك لكتابة الرواية؟
كلا، لا أعتقد هذا. الشخصية هي التي تدفعني للكتابة دائمًا، إلى جانب رغبتي في كتابة قصة جيدة يشعر معها القارئ بالاستمتاع. تطرح الرواية عدة أسئلة شائكة بشأن مجتمعنا الحديث، ولكنها ليست الدافع الحقيقي للكتابة.
بماذا شعرتِ حين تحولت روايتك الأولى “بريك لين” إلى فيلم سينمائي؟
لم أتدخل في عملية تحويل الرواية إلى فيلم، كنت مشغولة في مشروع آخر، وفضلت عدم التدخل في كتابة السيناريو حتيى. شعرت بتوتر وأنا أشاهد العرض الأول للفيلم، لكن سعادتي كانت كبيرة لأن المُخرج قام بعمل عظيم. ورغم أن الفيلم استبعد بعض أجزاء الرواية، إلا أنه حافظ على روحها.
في روايتك الثانية؛ تدور الأحداث في قرية برتغالية، لماذا دارت الأحداث في مكان آخر غير لندن؟
لقد قضيتُ فترة طويلة في البرتغال، ولم يكن هذا القرار صعباً؛ فقد كانت كل الشخصيات وقصصهم في رأسي. يبدو ظاهرياً أنني كتبت روايات مُختلفة، إلا أن بينها الكثير من الأمور المُشتركة. على سبيل المثال، يلعب المكان دوراً محورياً في رواياتي. هناك أشياء أخرى مثل فكرة الوطن، والنزوح من الوطن، والتفاعلات الثقافية، والحياة على الهامش الاجتماعي. لا أتناول هذه الموضوعات بتخطيط مُسبق، ولكنها تخرج أثناء الكتابة.
لماذا كتبت عن الأميرة ديانا في روايتك “قصة غير مروية”؟
لقد نشأت مثل أغلب نساء هذا الجيل، وأمامنا الأميرة “ديانا” في المشهد طوال الوقت. كنت في الثالثة عشرة من عمري حين تزوجت الأمير “تشارلز”، وتابعت تصاعد شهرتها حتي أصبحت نجمة عالمية، وتابعت مساهمتها الجليلة في أمور عديدة. لقد حازت قبولاً واسعاً في حياتها، وظهر هذا بوضوح في جنازتها التي ضمت الرجال والنساء والمراهقين والمراهقات من جنسيات وعرقيات وميول مختلفة. لقد اعتقد بعض الناس أنها كانت مهووسة بنفسها، مما سبب لها المتاعب، ولكن وجهة نظري عنها مختلفة تمامًا. كلما قرأت عنها، كلما تزايد إعجابي بها. لقد خطبها الأمير وهي في التاسعة عشرة من عمرها، وكانت عذراء جميلة ومثقفة، ولكنها لم تكن ناضجة عاطفياً ولديها مشاكل عائلية سابقة. كان الجميع يتوقعون أن تكون مجرد حمل وديع يُساق إلى المذبح، وأن تستسلم لكل ما يُفرض عليها، ولكنها كانت أقوى مما ظن البعض. كانت تتسم بالعناد والتهور في كثير من الأحيان، ولم تكن تلتزم بالقواعد المفروضة عليها، وهذا هو سر إعجابي بها.
وماذا قصدتِ بقولك إن الرواية هي حدوتة؟
هي كذلك بالفعل. لقد بدأت كتابتها كقصة قصيرة. كتبتها وأنا أحاول أن أتخيل إن لم تمت “ديانا”، ماذا سيكون شكل حياتها وهي في العقد الرابع من العمر. حين بدأت أقرأ عن حياتها بتركيز، توصلت إلى قناعة، أن الحلم الذي سيطر عليها هو الابتعاد عن الثروة والشهرة لتعيش حياة عادية. بطلة روايتي “ليديا”، قررت أن تترك الثروة والشهرة لكي تعيش حياة عادية. لقد حاولت أن أعكس الحدوتة الشعبية، وأن أجعل “سندريلا” سعيدة بعد أن تزوجت الأمير.
هل هو نوع من التهكم على حلم الزواج من أمير؟
أظهرت لنا حياة “ديانا” أن الزواج من أمير لا يضمن السعادة. الوفرة الشديدة تُحدث تخمة وتؤدي إلى الزهد. بعد فترة قصيرة، لن نجد مُتعة في نمط الحياة هذا، ونفقد الرغبة في السلطة والثروة والشهرة (عكس ما يحدث في الحواديت). كانت “ديانا” نسخة حديثة من “سندريلا”؛ عاشت حياة سريعة وصاخبة، وتاقت إلى أشياء بسيطة: الاستقلالية، والحرية، والأصدقاء الجديرون بالثقة، وشخص طيب تحبه. هذا هو نمط الحياة التي تمنته وأرادت أن تعيشه. تناقش الرواية فكرة الحلم الزائف، ومدى الإحباط الذي يصيب صاحبه حين يتحقق.
ولماذا دارت أحداث الرواية في الولايات المتحدة الأمريكية؟
لقد واتتني الفكرة من أحلام “ديانا” نفسها. كانت تحلم بالسفر إلى مكان بعيد، تلجأ إليه هربًا من السيرك المنصوب حولها هنا. فكرت في السفر إلى الولايات المُتحدة لأنها كانت تشعر بالراحة والترحيب هناك. كما كانت تعتقد أن حجم شهرتها سوف يتقلص هناك. كان جوهر الرواية أن تدور الأحداث في الولايات المُتحدة، ولكن أميرة الرواية “ليديا” ذهبت إلى هناك في سياق ظروف مُختلفة. اخترت منطقة الغرب الأوسط لتبتعد الأميرة عن المُدن الكبيرة المزدحمة وعن نمط الحياة التي عاشته من قبل. فكرة الحياة العادية مقابل حياة الشهرة تطرح سؤالاً أكثر عُمقاً عن طبيعة الحياة نفسها، وهو السؤال الذي تطرحه الرواية.
____
*أخبار الأدب