تحسين الخطيب
في مساء الثامن عشر من شهر أبريل الجاري، أعلنت أسماء الفائزين بجوائز البوليتزر الإحدى والعشرين، والتي من أهمها: الرواية والشعر والنقد والافتتاحيات الصحافية والموسيقى والدراما والتاريخ والخدمة العامة والسيرة الشخصية أو الغيريّة والأدب غير القصصيّ.
وفاز بجائزة الشعر لهذا العام بيتر بالاكيان عن ديوانه “يوميات الأوزون”، الصادر ضمن سلسلة “شعراء فينكس” التي تنشرها مطبعة جامعة شيكاغو، متقدما على “الفتاة ذات الأرجل الأربعة” للشاعرة ديان سوس، و”على قيد الحياة: قصائد جديدة ومختارة” للشاعرة إليزابيث ويليس.
وجاء الديوان في 82 صفحة فقط. وهو في معظمه يتحدث عن ذكريات الشاعر حين ذهب في رحلة برفقة فريق تلفزيونيّ في العام 2009، لتقصي المذبحة التي حدثت للأرمن في الصحراء السورية على أيدي العثمانيين في العام 1915.
قصائد المجموعة مكتوبة في شحنات غنائية قصيرة ومتوتّرة تستجلي عظام الأجداد التي رقدت رقدتها السرمديّة في سفوح جبل مرقدة في دير الزور، وتمعن، كعيون ترى نفسها في أيقونات دينونتهم الأخيرة في كاتدرائية الأربعين شهيدا في حلب.
ووصفت لجنة التحكيم قصائد المجموعة بأنها “تشهد على الخسارات والتراجيديّات القديمة التي تساند من الناحية المعنويّة زمنا عالميا من الخطر وعدم اليقين”.
وولد بيتر بالاكيان في نيوجيرزي سنة 1951. ويعمل حاليا أستاذا للعلوم الإنسانية في جامعة كولغيت. ومن كتبه الشعريّة: عين أبي السمكيّة (1979)، وأيام الضوء الحزينة (1983)، وإجابة من جزيرة البريّة (1988)، وشوك داير (1996)، والزقّورات (2010).
أجراس سوريا في غمام الفرات
* الخروج من حلب
كيف انثال صوت الأجراس فوق المنحدرات
حين خنق حرير الدعامات الهواء—
قبل أن تستحيل غمامَ نُوّارٍ؟
هكذا جاء النهار ببذور رمّانه
وصرخات الشّوارع؛ كان القسّ الذي سار معنا ليلةَ الأمس
في الحيّ الأرمنيّ مفقودًا عند الظهيرة.
كانت السماء فوق ساحة كنيسة الأربعين شهيدًا
زرقاءَ جامدة، ترنُّ ببنادق الكلاشنيكوف
وأجراس سمعتها جدّتي في يوم آخر.
تركنا حقائبنا في غرفة النوم ومضينا
في المقهى الذي يصدح بأشرطة الأغاني حيث عمّال متنكّرون
ينحنون على القهوة والفستق الحلبي.
طوينا بعض الخبز البلديّ الرقيق
في جيوبنا، وقبضنا على الزيتون المرضوض.
هرعتِ إلى بناية فارغة؛ وأنا بقيتُ
حتى غادرت السيارات العسكرية والجنود
وجاء بعض أصدقائي الأميركيّين بجرار الماء.
كانت دبّابة قد صدئت- وبعض الكاميرات مازالت معلّقة
على الأسيجة. تمايلت على طول الأفق بعض الأسيجة.
* يوميات الأوزون
(1)
استيقظتُ على مركّبات الفريون تدمدم من البكرات.
استيقظت على كمبرسر في رأسي.
والكمبرسر في الجدار الذي يجعل الهواء العليل يخرج من الفجوات-
لم أستطع النوم- حمّلت صور اليوم،
كي أحدّق فيها، كما لو كانت السماء شيئًا أستطيع أن أتنفّس فيه:
ليست أوقاتًا جميلة قرب البحر، بل زرقة صحراء وأرض مشقوقة،
بعض حشائش تذروها الريح في سروالي الجينز؛
علامات خضراء من حروف عربيّة كأنّها روافد جميلة،
كلّما تلاشت عبر الطريق الذاهب إلى الحدود العراقيّة،
حيث كانت مصافي البترول تلفظ نيرانها في الأفق،
حيث الحدود طريق: تنتهي وتبدأ.
(2)
كنتُ أنبش عظامًا أرمنيّة في الصحراء السوريّة طيلة النهار،
مع طاقم تلفزيوني ظلوا يطأطئون رؤوسهم إلى رجال المخابرات
الذين لحقونا بالسيارات العسكرية وفي الليل ينضمّون إلينا
من أجل العرَق والعنزة المشويّة تحت رايات ملوّنة وأضواء مُصدّعة
في المقاهي حيث لمعتْ أكوام الأعشاب ناظرة إليّ.
غبتُ عن الوعي من الشمس والعرَق والنّكت التي عن الجِمال
في فندق كبير، تطلّ فيه غرفتي على نهر الفرات
تركنا حقائبنا في غرفة النوم ومضينا
في المقهى الذي يصدح بأشرطة الأغاني حيث عمّال متنكّرون
ينحنون على القهوة والفستق الحلبي.
طوينا بعض الخبز البلديّ الرقيق
في جيوبنا، وقبضنا على الزيتون المرضوض.
هرعتِ إلى بناية فارغة؛ وأنا بقيتُ
حتى غادرت السيارات العسكرية والجنود
وجاء بعض أصدقائي الأميركيّين بجرار الماء.
كانت دبّابة قد صدئت- وبعض الكاميرات مازالت معلّقة
على الأسيجة. تمايلت على طول الأفق بعض الأسيجة.
* يوميات الأوزون
(1)
استيقظتُ على مركّبات الفريون تدمدم من البكرات.
استيقظت على كمبرسر في رأسي.
والكمبرسر في الجدار الذي يجعل الهواء العليل يخرج من الفجوات-
لم أستطع النوم- حمّلت صور اليوم،
كي أحدّق فيها، كما لو كانت السماء شيئًا أستطيع أن أتنفّس فيه:
ليست أوقاتًا جميلة قرب البحر، بل زرقة صحراء وأرض مشقوقة،
بعض حشائش تذروها الريح في سروالي الجينز؛
علامات خضراء من حروف عربيّة كأنّها روافد جميلة،
كلّما تلاشت عبر الطريق الذاهب إلى الحدود العراقيّة،
حيث كانت مصافي البترول تلفظ نيرانها في الأفق،
حيث الحدود طريق: تنتهي وتبدأ.
(2)
كنتُ أنبش عظامًا أرمنيّة في الصحراء السوريّة طيلة النهار،
مع طاقم تلفزيوني ظلوا يطأطئون رؤوسهم إلى رجال المخابرات
الذين لحقونا بالسيارات العسكرية وفي الليل ينضمّون إلينا
من أجل العرَق والعنزة المشويّة تحت رايات ملوّنة وأضواء مُصدّعة
في المقاهي حيث لمعتْ أكوام الأعشاب ناظرة إليّ.
غبتُ عن الوعي من الشمس والعرَق والنّكت التي عن الجِمال
في فندق كبير، تطلّ فيه غرفتي على نهر الفرات
(8)
يتفصّد الضوء من نفسه على الفرات
من شرفة غرفة الفندق— أرض زراعية مرويّة/ خيمة صفراء/
وعروق تجري عبر الأخاديد/ ورقع خضراء تتلوّى—
(12)
الفطور في العربة المتنقلة: محمرة، ومربّى تين،
وكسرة خبز بلديّ رفيعة كرقّ ناعم؛
إنّني ألتهم الأرض والهواء وأنا أطوي
الكسرة على زيتون أخضر مرضوض—
سيارات عسكرية تطرح الصدأ—
تمويه خاكيّ وواجهات
صور الأسد
تنظر من الخلف إلينا.
(14)
وفي الأيام التي توجعنا فيها الخواتم حول أصابعنا،
أندفعُ عبر صخب الحشود الأبيض
على شاشة التّلفاز؛ لا حاجة إلى الفودكا—
جلبت إليَّ تحديقة الكاميرا المتحركة في الميدان الحروفَ
الخضراء والبيضاء التي تبهر البصر/ عمودًا أرمدَ/ بريقًا ثانويًا،
والأخضر يطعن كقطع النقود.
______
*العرب