زاغاييفسكي ودوبي يفوزان بجائزة غريفين العالمية للشعر




*ترجمة تحسين الخطيب


منذ بضعة أيّام، أعلن مجلس أمناء جائزة غريفين الكنديّة -والذي يضمّ شعراء وأدباء بارزين، من أمثال مارغريت آتوود وروبرت هاس وكولم تويبن ومارك دوتي وديفيد ينغ وروبن روبرستن وكارين سولي- عن منح جائزته الدولية للشعر لهذا العام إلى الشاعر الأميركي نورمن دوبي، عن ديوانه “اقتباسات العظم”، فيما كانت جائزة “التّبريز الشعري” من نصيب الشاعر البولندي آدم زاغاييفسكي، عن مجمل أعماله المنشورة. وأما الجائزة في فئتها المحليّة، فذهبت إلى الشاعرة الكندية ليز هوارد، عن مجموعتها الأولى “المواطن المطلق للخيمة الراجفة”.
وكانت القائمة القصيرة، في فئتها العالمية، والتي أعلنت في الثاني عشر من شهر أبريل 2016، قد ضمّت -إضافة إلى دوبي- كلًّا من الشاعرة الأميركية جوي هارجو (من سكان أميركا الأصليين) عن ديوانها “فضّ منازعات الكائنات الربّانية”، والشاعر البريطاني دون باترسون، عن مجموعته “40 سونيتة”، والشاعر الأميركي روان ريكاردو فيلبس، عن كتابه “فردوس″. وأمّا القائمة، في فرعها الكندي، فاشتملت، علاوة على هوارد، كلًّا من أولريكا سي. جيرنز عن كتابها المترجم من الدانماركية «”قطعة موسيقية منهكة للوتريّات وآلات النّفخ”، وثريّا بيرباي عن ديوانها “أخبر: قصائد لصبوة فتاة».
تكوّنت لجنة تحكيم الجائزة لهذا العام من الشاعرة البريطانية أليس أوزولد والشاعرة الأميركية ترايسي كيه. سميث والشاعر الكندي آدم سول.
شاعر المنفى والأمل
“لا يختار الشعراء علاقتهم بالتاريخ. نولد متى نحن وأين نحن، بعضنا في خط النار، وبعضنا هارب من ظروف صعبة، فيما يولد أكثرنا في مكان ما بينهما. بعضنا مختلفون، بمزاجية، مع أزمنتهم، فيما يدلل البعض على الروح الحقّة التي تمنح صوتًا إلى تعقيدات الساعة الراهنة. هنا، وفي القرن الحادي والعشرين الذي ما زال للتوّ جديدًا، فإن القرّاء الذين يعشقون الشعر محظوظون إلى أبعد حدّ على نحو وثيق، لأنّ لدينا شاعرا جديرا على نحو مثاليّ بمعنى هذه الأزمنة، شاعر تنهض أعماله من كومة رماد القرن العشرين، وتفصح عن المخاوف الحقيقية والآمال البدئية للقرن الحادي والعشرين”.
بهذا التكثيف الكاشف، قدم الشاعر الأميركي مارك دوتي الشاعرَ البولندي آدم زاغاييفسكي في الحفل الذي أقامه مجلس أمناء الجائزة، تقديرًا لشعريته العالية التي لا تنتظر الأبدية، إنّما ترحل إليها، ولا تسافر بلا أمتعة، إلّا لكي تنام في الحجرات الضيقة والمحطات الصغيرة، وتعبر السماء الرمادية في قطار آخر الليل. شعريّة لا تيأس، برغم العزلة، كمشكاة ممدودة ظلالها حتى خابية النبيذ، والعيون التي تفتح أجفانها حتى الموسيقى. فالشعر، عنده، «يبحث عن الإشراق، والشعر طريق الملوك الذي يقودنا أبعد».
ولد زاغاييفسكي في لفوف في العام 1945، ثم ما تلبث السلطات الأوكرانية أن تطرد عائلته إلى بولندا. يهاجر إلى باريس، ثم يعود إلى بولندا في العام 2002، ويستقر في كراكوف. يعمل حاليًا مدرسًا في جامعة شيكاغو، حيث ما زال يكتب قصائد “عن حضور الماضي في الحياة العاديّة: التاريخ ليس بوصفه سجل وقائع للموتى.. وإنما بوصفه قوة هائلة، وبارعة في بعض الأحيان، ماثلة في ما قد يراه الناس ويشعرون به في كل يوم”.
العائد من الصمت
بعد عشرين مجموعة شعريّة، يقرّر نورمن دوبي، في مطلع 1990، أن يلوذ بالصّمت، ويدخل في طقوس البوذيّة. ولم ينقطع هذا الصمت العظيم إلّا حين ينشر، في العام 2001، “كرسيّ الرحمة: قصائد جديدة ومختارة”، فيحصل على جائزة رابطة القلم الأميركية لأفضل ديوان شعر في ذلك العام.
في مقابلة بعنوان “العودة من الصمت”، أجرتها معه ماري كانن لمجلة «شعراء وكتّاب»، نشرت في العام 2004، قال دوبي إنّه لم يختر الكف عن الكتابة إلّا لشعوره بأن قصائده قد باتت متكلّفة، وتحاكي بعضها، وأنه بحاجة إلى أن يعيش لفترة خلف الصمت. ثم أردف قائلًا إنّ جلسات التأمل البسيطة والأحوال الذهنية ومقامات المجاهدة قد أدخلت السكينة إلى حياته وأثرت في كل ذرّة من جسده.
ثم تتوالى بعد ذلك الكتب الشعرية، فينشر ثلاث مجموعات، قبل أن تظهر مجموعته الفائزة، هذه، في العام 2015.
وصفت لجنة التحكيم “اقتباسات العظم” بأنه كتاب قصائد “مغرقة في الأحلام، تحكمها طاقة وثّابة عنيفة تجعل الحميميّ يتلامس مع التاريخ، ويُغبّش الفارق بين ما هو حقيقي لأنه قد حدث ذات مرة، وبين ما هو حقيقيّ بسبب الطريقة المؤكدة التي ترك فيها. سوف يدرك المعجبون بشعر دوبي العقل والروح المعهودين، القادرين على الحفر عبر سطح التجربة وعميقًا في المأزق النفسي العميق بإيماءة واحدة كاشفة.. بيد أنّ تلك النزعة مضخمة على نحو متعاظم هنا. يشعر المرء بأن العقل الباطن يعمل دون كلل أو ملل، وحتى على نحو عابث، رفقة الذاكرة، مفشيًا القصائد كما لو كتبت بروح حيّة؛ غريبة ومؤسّية”.
موتى يستبقون على الزلاجات
■ آدم زاغاييفسكي:

* في الطريق
بدون أمتعة
أن تسافر بلا أمتعة، وتنام في القطار
على مقعد خشبيّ قاس،
تنسى موطنك،
وأنت تبرز من المحطات الصغيرة
حين تصعد سماء رماديّة
وتذهب قوارب الصيد إلى البحر.
في بلجيكا
كانت ترذّ السماءُ في بلجيكا
وجرح النهر بين التلال.
كُلّي عيوب، تفكّرت.
جلست الأشجار في المروج
كرهبان في أردية الكهنوت الخضراء.
كان أكتوبر يختبئ في الحشائش.
كلّا، يا سيّدتي، قلت،
ليست هذي مقصورة يمنع فيها الكلام.
صقر يحوم فوق الطريق السريع
سوف يشعر بالخيبة لو انقضّ
على صاج، على وقود،
على شريط موسيقى رخيصة،
على قلوبنا الضيّقة.
مُوْنْ بْلان
تلمع من بعيد، بيضاء ومحترسة،
كمشكاة للظلال.
سِيْجِيْسْتَا
على المرج معبد هائل—
حيوان بريّ
ممدود حتى السماء.
صيف
كان الصيف عظيمًا، مظفّرًا—
بدت سيارتنا الصغيرة ضائعة
على الطريق الذاهبة إلى فيردان.
المحطة في بيطوم
في نفق المترو
تتكاثر أعقاب السجائر،
وليس الأقحوان.
لها نتانة العزلة.
متقاعدون في رحلة ميدانيّة
إنهم يتعلمون المشي
على اليابسة.
نوارس
لا ترتحل الأبديّة،
الأبديّة تنتظر.
في ميناء لصيد الأسماك
وحدها النوارس تثرثر.
المسرح في طَبَرْمِين
من المسرح في طَبَرْمِين تستطلع
الثلج فوق رأس جبل إتنا
والبحر الوامض.
من الممثل الأفضل؟
قط أسود
يخرج قط أسود كي يُحيّينا
كأنه يقول: انظروا إليّ
لا على كنيسة رومانيّة قديمة.
إنني حيّ.
كنيسة رومانيّة
في قعر الوادي
تستريح كنيسة رومانية:
ثمة نبيذ في الخابية.
ضوء
ضوء على جدران البيوت العتيقة،
شهر يوليو.
أيها العابر، افتح عينيك.
في الفجر
ماديّة العالم عند الفجر—
وهشاشة الروح.

* أصدقاء
ينتظرني أصدقائي،
ساخرين، ويبتسمون حزينين.
أين القصور الشفافة
التي عزمنا على تشييدها—
تقول شفاههم،
شفاههم التي تشيخ.
لا تقلقوا، يا أصدقائي،
فتلك الطائرات الورقية البديعة
ما زالت تحوم في هواء الشتاء،
ما زالت تأخذنا
إلى المكان الذي تبدأ فيه مواسم الحصاد،
إلى أيام مشرقة—
إلى حيث عيون نَدِيْبةٌ
تفتح أجفانها.
* عاصفة ثلجية
كنا ننصت إلى الموسيقى—
شيءٍ من باخ، وشيءٍ من شوبرت الحزين.
ثمّ أصغينا إلى الصمت برهة.
زمجرت عاصفة ثلجية في الخارج،
وضغطت الريح وجهها الأزرق
على الجدار.
كان الموتى يستَبِقون على زلّاجات،
ويقذفون نوافذنا
بكرات الثلج.
صيادون ورعون
■ نورمن دوبي:

* كتاب الجمل الأربع لهيرمن ميلفل
نستطيع رؤية سياج الثلج
وهو يبتعد عن امرأة تأكل معكرونة باردة.
ليس مصنوعًا من صناديق نحل مهجورة
أو، بغرور،
مثل مجاعة قروسطيّة في اليابان.
هنا، صائدو الحيتان الصاحبيّون
يرتقون معراجًا
إلى السماوات المثالية.
معراجًا
من الحمض النووي الطازج لسياج من الثلوج:
هؤلاء الصيّادون الورعون
يصرخون ويلوّحون إلى أطفالهم:
يتنهّدون قائلين “وداعًا”:
لثّات أسنانهم
تتفصّد كأنهار الجليد،
كالخيط الرفيع المتقهقر لشجرة الأكاسيا
فوق طُورِ سِينين…
* رئيس جوقة الترتيل، غودل وبريغه
وهو يطلق سراح العناكب عبر الجهير الأوّل الخامل
للزمن الأبعد من الخيال،
يصف عين غياب البرهة في التّوازن،
قفير نحل أكوانٍ تدور،
فضاء مدبّر كصحن
معكرونة رفيعة، بياض
في مرقة بيضاء، حساب
بديهي في عالم محسوس.
اللغة المحجوبة تنهض
لتلاقي مغناطيسيّتها هي—
إنه لمكان آمن هنا
بالنسبة إلينا نحن الأرانب. شجر العايق،
بحيرة، مرق عظام الحملان.
الحزن الذي في كلّ هذا
أقلّ من اعتراضنا
على الكهولة، المعاناة
والموت بالجراد الصغير.
يسأل “كيرت” كيف تستطيع حشرة بدينة
وطيبة المذاق أن توجد مجاعة ناجحة؟
تحرق، في المدينة المنطقية، قرون استشعارها وأجنحتها
وأرجلها بالبُوْشِلْ بوصفها وقودًا.
وحتى الملك يلتذّ بها
لو غمّست بالرماد والثّريد.
اقتباسات العظم
كان مسحوق العظم حليبًا حامضًا
ليس إلّا رؤوس أيائل هائلة
في دائرة معتمة تنظر
على طاس خشبيّ من مقرمشات الصودا
ولحم الخنزير. سكين كبيرة
ترتاح في لحم يد الحطّاب القاسية.
يعبس في وجه امرأته
التي تسمّمه على مهل
بالصمغ الليفيّ لِشَبّ النهار.
تُربنتين بلا طعم مع لحم خنزير ورديّ.

* أحاديث العظم
متعلقة بالزواج في أوائل الشتاء
فبحلول شهر يناير سيكون ثمّة زبد من دم
عند المنخر.
هو يظنّ بأنّ كتلة جليد طويلة مدفونة في الأذن.
هي تظنّ بأنّ دي. إتش. لورنس كان قرصانًا شرسًا.
أكره معظم الرجال. أهيم بالقلّة المسمّاة لُوْ.
ملحق صغير:
الأيائل الميتة تعبس أيضًا.
_______
*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *