*كرم نعمة
أعاد جيريمي باكسمان أشهر الصحفيين البريطانيين ومقدمي البرامج التلفزيونية، ثنائية توقف الحديث فيها منذ زمن، عندما طالب بتوصيف مهمة الشاعر بحس صحفي.
باكسمان المعروف بحواراته المحرجة للسياسيين في “بي بي سي”، طالب، بصفته عضوا في لجنة تحكيم مسابقة جائزة “فوروِرد” الأدبية، الشعراء بالاقتراب أكثر من الناس، وكأنه يتحدث عن وظيفة الصحفي لا الشاعر بقوله “يبدو أن الشعراء يحدثون بعضهم البعض بدلا عن مخاطبة الناس، على الشعر أن يرفع من مستوى التحدي قليلا وأن يوسع بصائره”.
ويبدو أن باكسمان أراد محاكمة الشعر أو وضعه في شرك “لعبته الصحفية” في مهمة لم تكن له، فوظيفة الصحفي تسقط ميتة قبل أن تناط بالشاعر.
ومع أن ترفع الشعراء عن الصحافة، لا يحمل أكثر من فشل توظيف أدواتهم اللغوية في الاقتراب من الجمهور، إلا أننا يمكن أن نتحدث عن جملة أسماء من أدباء كبار دخلوا أو أدخلتهم حرفة الكتابة إلى مضمار الصحافة، لكن عن أي صحافة نتحدث؟
أمبرتو إيكو يكتب أعمدته الصحفية الناجحة بأفكار فلسفية، غونتر غراس لا يرى في الكتابة الصحفية أكثر من ورقة وقلم، وماركيز الصحفي يظهر صورة مغايرة عندما يكتب نصه الروائي إلى درجة أنه يرتدي بدلة العمل مثل أي ميكانيكي احتراما لقواعد اللغة!
فهل كان ت.س اليوت أو عزرا باوند صحفيا مثلا؟ وما تركته فرجينيا وولف من عروض للكتب، كان يمثل حسها الأدبي ولا يمت للصحافة بأكثر من كونه منشورا في صحيفة التايمز.
سأعلن عن عجزي هنا في الحصول على مثال عربي متميز، فالشاعر العربي عندما تقلد منصب رئاسة تحرير الصحف الرسمية، كان مجرد “شرطي فكر”.
لكن في أي حال من الأحول، ليس من مهمة جيريمي باكسمان بصفته الإعلامي أن يوجد “محكمة صحفية للشعر” تلزم الشعراء بشرح أعمالهم للجمهور، كما يفعل الصحفي في سلة القصص الإخبارية.
لأن ما أراده بفكرة تحمل الشعراء مسؤولية شعرهم، يمكن سؤالهم لماذا اختاروا أن يكتبوا عن موضوع معين، ولماذا اختاروا لغة وتكوينا وتشبيهات معينة وغيرها، تفرغ القصيدة من وظيفتها الحسية.
فليس للشعر مهمة القصص والأفلام في الثقافة الحديثة، حسب تعبير مايكل سيمونز روبرتس الذي سبق وأن فاز بجائزة “فوروِرد” التي أختير باكسمان محكما فيها.
الشعر قديم كاللغة، حتى وإن لم يضع أفلاطون الشعراء في جمهوريته، وليس من وظيفة الشاعر ممارسة دور المصلح، كما يفعل الصحفي في “صناعة الرأي”، القصيدة تحرض على المشاعر، والقصة الإخبارية تجعل المعلومة متاحة أمام الرأي العام.
لم ينجح الشعراء الكبار في أن يكونوا صحفيين كبارا، لكن ليس من مهمة الصحافة إعادة تأهيلهم، ولن تجد من يتقبل أن تنصب الصحافة بأدواتها المهنية وحساسيتها العالية محكمة للشعراء.
________
*ميدل إيست أونلاين