يومٌ للشعر


*زاهي وهبي

مصادفة جميلة أن يتزامن يوم الشعر العالمي مع عيد الأم في بلادنا. ثمة ارتباط وثيق بين الشعر والأمومة، معظم الشعراء كتبوا قصائد خالدة في أمهاتهم ممجدين الأمومة ومعانيها السامية، كأن حبل السرّة الابداعي لم ينقطع أبداً بين الشاعر وأمه، ومَن لم يكتبها حيةً رثاها بأروع ما يكون الرثاء وجميعنا يعرف تلك القصائد الرائعة التي صارت أغنيات لا تنسى مثل «أمي يا ملاكي» لسعيد عقل غناء فيروز و»أحنّ إلى قهوة أمي» لمحمود درويش غناء مرسيل خليفة الذي غني أيضاً «أجمل الأمهات» لحسن العبدالله وهي مهداة لأمهات الشهداء. حتى الشعر الشعبي نراه زاخراً بالقصائد والأهازيج والمواويل والعتابا التي تمجد الأمومة وترفع من شأنها وتضعها في مرتبة عليا.

اليوم يوم الشعر العالمي، ولعل الشعر من أكثر الفنون التي باتت تحتاج يوماً للتذكير به الاحتفاء نظراً لما يحيط به من أسئلة وانطباعات ذهب بعضها إلى حد القول بموته ونهاية زمنه، وعلى الصعيد العربي ثمة من قال إن الرواية باتت ديوان العرب بعد أن فقد الشعر تلك المكانة التي احتلها في الوعي الجمعي على مدى قرون طويلة. ولئن كان أصحاب كل مقولة يستندون في ما يذهبون إليه إلى أسباب ونتائج وظواهر تجعلهم يعتقدون ما يعتقدونه، فإن القول بموت الشعر يحمل الكثير من التجني والاجحاف، على الرغم من حال التراجع التي يعانيها ليس لدى الناطقين بلغة الضاد فحسب بل في شتى أرجاء المعمورة، وأسباب هذا التراجع كثيرة ومرتبطة بالتراجع الثقافي العام الذي تعيشه البشرية لمصلحة طغيان «ثقافة» استهلاكية سريعة تعم الكوكب من أقصاه إلى أقصاه، ومع ذلك فمقولة موت الشعر تبدو متسرعة بعض الشيء نظراً للارتباط الوثيق بينه وبين كل ما يعيشه الإنسان من حالات نفسية وشعورية يمثل الشعر خير مُعبّر عنها.
لو كان الشعر ميتاً لكانت ماتت معه فنون كثيرة بفعل التداخل العميق بين الفنون المنفتحة على بعضها البعض، أليس الشعر جزءاً من المسرح والرواية والغناء والتشكيل وأدوات التعبير كافة، ألا نردد مراراً أن هذه الرواية شاعرية وذاك الفيلم شاعري…الخ، ثم أن الشعر جزء عضوي من الحياة نفسها، ما دام هناك حب وفراق ولقاء ودمعة وابتسامة وعاشق يحمل باقة ورد منتظراً عند ناصية وامرأة تحيي الليل ساهرةً سيظل هناك شعر وستبقى القصيدة. صحيح، لم يعد الشعر وقفاً على القصيدة وحدها، أصلاً لم يكن يوماً وقفاً على القصيدة لأنه كامن في أعماق الحياة بتجلياتها كافة، لكن تجلياته في غير القصيدة باتت اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فمع تطور الفنون والتقنيات المستخدمة فيها باتت شاعرية الصورة على سبيل المثال أكثر وضوحاً من ذي قبل والحال ينطبق على فنون كثيرة بما فيها الموضة التي تنحو مرات صوب مطارح شاعرية أو تستلهم ابتكاراتها من الشعر نفسه كما فعلت مصممة الأزياء العراقية هنا صادق أو كما يفعل مصممون كثر على مساحة الكوكب.
مسألة أخرى تستوقفنا في هذا السياق وهي اكتظاظ وسائل التواصل الاجتماعي بالراغبين في أن يكونوا شعراء حيث تزخر تلك المواقع بكتابات شعرية لا تعد ولا تحصى، طبعاً فيها الغثّ والسمين لكن الذائقة السليمة والوقت كفيلين بغربلة الصالح من الطالح، فضلاً عن وجود صفحات يتابعها كثيرون تعنى باستعادة قصائد الأسلاف المبدعين من الجاهلية حتى الأمس القريب ما يدل على المكانة التي لا يزال يحتلها الشعر لدى الناس، مع الاعتراف بتراجع ما أسبابه كثيرة منها حال الانحطاط العام فضلاً عن الهراء الكثير الذي علق بقصيدة النثر وعدم اهتمام وسائل الإعلام بتقديم الشعر بطرائق سلسة وسهلة تساهم في ردم الفجوة الحاصلة بين المُرسل والمتلقي.
ما عليه، سنظل مؤمنين بأن الشعر جزء من الحياة طالما هذه الحياة مستمرة وبأنه يجعلها أخفَّ وطأة.
_______
*الحياة

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *