هل قدمت لنا مزادات الفن غذاء مسموماً؟


*فاروق يوسف


يقول المثل الشعبي «تتباهى الصلعاء بشعر أخوتها» وهو ما ينطبق على علاقة فنانينا التشكيليين بالمزادات الفنية العالمية التي صارت تشهدها اكثر من مدينة عربية. هناك قدر هائل من سوء الفهم وقلة المعرفة هما السبب في الخلط بين ما يقع في تلك المزادات من عمليات بيع للأعمال الفنية وبين السوق الفنية التي لم نتعرف عليها في سابق أيامنا. فرغم ازدهار حركة بيع وشراء اللوحات في العديد من المدن العربية أثناء العقود الماضية فإن سوقاً بمعايير تجارية واضحة وثابتة لم تنشأ لدينا، فكانت الصالات الفنية وهي الأماكن التي ترعى ذلك النشاط عبارة عن دكاكين شخصية، يعرض كل واحد منها بضاعته بالسعر الذي يناسبه لا كما تفرضه السوق.

يجهل الفنان العربي سعر لوحته ولا يتعرف عليه إلا حين يتم تسعير تلك اللوحة من خلال مفاوضات، غالباً ما تكون الغلبة فيها لصاحب الصالة. وليس سراً أن الفنانين كانوا يلجأون إلى بيع لوحاتهم خارج السعر المعلن من خلال خصم النسبة التي كانت الصالة تتقاضاها، وهو ما أدى إلى مزيد من التدهور في علاقة الجمهور المقتني بالصالات، فالجمهور فقد ثقته بالصالات التي لم تعد تثق بإخلاق الفنانين الذين تعرض لهم. شيء من عدم الثقة يخيم على المشهد.
في حقيقته فإن الفنان العربي كان ولا يزال يفتقر إلى ثقافة السوق. إلى وقت قريب لم يكن ميسراً إقناع الفنان العربي بأن الأعمال التي ينتجها انما هي بضاعة تعرض في السوق مثلها مثل أية بضاعة أخرى. لا يفرق الفنان العربي بين عمله الفني كما خلقه وبينه كما هو معروض للبيع في مكان عام. اما حين جرت المزايدات فإن الفنان العربي كان قد فقد الكثير من كرامته، ذلك لأن التأويل الأخلاقي كان هو المرجعية لكل شيء.
لم يعثر الفنان العربي على ضالته في المزادات الفنية التي من حقها أن تفكر بأرباحها، غير أن شيئاً من الواقع لم يعنه على استعادة سوق فنية، لم يكن قادراً على تلمس الطريق إليها. لقد فوجئ عدد من الرسامين العرب بالأسعار التي بيعت بها لوحاتهم في المزادات. ومع ذلك لم يصدق أحد منهم أن تلك الأسعار كانت وليدة الصدفة وهي ليست أسعاراً حقيقية، يمكن اعتمادها في السوق.
ولكن ما الذي يعرفه الفنان العربي عن السوق؟
لن يكون في إمكان الفنان الذي بيعت لوحته ذات مرة بنصف مليون دولار أن يعود إلى العشرة آلاف دولار، ثمن لوحته الأصلي وهو مبلغ خيالي بالنسبة إليه.
بالنسبة إلى ذلك الفنان فإن ما كان محسوماً بالنسبة إلى المزادات كان مصدر إرباك وحيرة له.
لقد صدق الفنانون العرب الكذبة التي لم تصدقها المزادات وهي التي روّجت لتلك الكذبة. ولأن المزادات مثل السيرك لا تبقي أثراً منها حين ترحل فإن الأسعار التي تبنتها لم تجد طريقها إلى الواقع العملي. كان على صاحبنا الذي يبيع لوحته بعشرة آلاف وهو مبلغ مبالغ فيه أن يعود إلى سعره الأصلي وإلا فإن أحداً لن يقبل على شراء لوحاته.
وكما يبدو لي فإن غياب مفهوم السوق الفنية من حياتنا الثقافية بالمعنى الذي يجعلها جزءاً من الدورة الاقتصادية هو الذي سمح للمزادات بتسميم عقول الفنانين بأفكار غير واقعية عن القيمة التجارية لأعمالهم. وما الكساد الذي تعيشه عمليات البيع وشراء اللوحات إلا نتيجة للارتفاع غير الطبيعي في أسعار اللوحات، وهو أيضاً دليل آخر على انقطاعنا عن العالم، هناك حيث لا يقفز الفنانون بأسعار أعمالهم مثلما يفعل بهلوانات السيرك.
ما لا يفهمه الفنانون الذين يغالون بأسعار أعمالهم الفنية أن أربعة ايام لـ (آرت دبي) ومثلها لـ (آرت أبو ظبي) لا تغني عن بقية أيام السنة التي يعمها الكساد.
_______
*الحياة

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *