محمد بابا
في الحرب كل أوراق اللعب متاحة، متجاوزة كل الأخلاقيات، وتعد ورقة الفن من أهم أوراق لعبة الحرب دائماً، نبيلة وقذرة أحياناً، تجمل بشاعة البارود ورائحته النتنة، وقد غابت الحرب عن الأعمال الدرامية الرمضانية في هذا الموسم باستثناء عمل أو اثنين، من ضمنهما «بانتظار الياسمين» عن التغريبة السورية الكبرى، والتهجير القسري لآلاف العائلات.
السياسيون يخشون دائماً من سلاح الفن، فحين احتل النازيون باريس أطلقوا مصطلح الفن الهابط على الفنون المزدهرة في ضواحيها، ونصح مكتب الدعاية الفوهرر بعدم تلويث بصره باللوحات الهابطة المعلقة في حاناتها ومقاهيها، فرد عليهم قائلاً؛ دعوا الفرنسيين غارقين في انحطاطهم!
في الحرب تتعدد المعايير، ويظلم الفن الحقيقي، وقد تخندق الفنانون الملتزمون دائماً في صف الحقيقة، راسمين صوتاً يعلو فوق صوت المعركة، فـ«جرنيكا» بيكاسو كانت صرخة عنيفة ضد فرانكو الاستبداد، وكذلك «المقبرة الجماعية»، و«مذبحة في كوريا»، و«لوبيدا»، وبقية روائعه التشكيلة المُحملة بالضمير.
في الخط نفسه وقف الشعر والأدب والمسرح، فالشاعر بول رينوار كان يكتب قصائد الثورة في مرسم بيكاسو، بينما ينشر لويس آراغون لوحات صديقه التكعيبي على صفحات جريدة الحزب الشيوعي، إلى جانب الشعر والنثر المدوي.
في الحروب يزدهر الفن ويموت في الوقت نفسه، يحاول الفنانون إسكات صوت الرصاص بأعمالهم وإبداعاتهم، كما نرى حالياً، وتقص آلات الحرب أصابعهم وتجتث أرواحهم أحياناً، في دوامة تحتاج لتوثيق عربي، فمتحف الفنون المعاصرة في نيويورك وجد في البداية ليؤرخ لصدمات القرن العشرين فنياً، مع أن بعض الأعمال تضيع، كما حدث مع لوحات فنان الشوارع العالمي بانكس في غزة، حين قدم صرخة ضد فظاعات إسرائيل.
البيان