ما الفن الإسلامي؟


*رضاب فيصل

الكثير من الأساطير والشائعات وعلى مدار العصور، نُسجت حول الفن الإسلامي، عن طبيعته، مواضيعه والأسس الدينية الشرعية التي قام عليها أو تجاوزها ربما. والأهم من هذا كله: “كيف نعرف إذا ما تجاوزنا عتبة رواق متحف ما أنه يحوي فناً إسلامياً؟” وهو السؤال الذي سألته المؤلفة شيلا ر. شيلا ر. كانبي مسؤولة قسم الفن الإسلامي في متحف المتروبوليتان، في فاتحة كتابها “الفن الإسلامي” الذي ترجمه ونقله إلى العربية الباحث والكاتب الدكتور حازم نهار.

الكتاب الصادر عن مشروع كلمة للترجمة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، يتضمن عدة أقسام هي: الدين والمعتقدات، العالم الخارق للطبيعة، العالم الطبيعي، الولائم، الصيد، الحرب، الموسيقا والسلطة ومعلومات أخرى عن المحتويات من أسماء وأشكال أضافها كل من المترجم والمؤلفة.
تشير مؤلفتنا في كتابها إلى أن غرض هذا الكتاب يتجسد في دراسة تلك العناصر والمواضيع التي تمكننا من تعريف أشكال من الفن أنها إسلامية على الرغم من امتدادها التاريخي الطويل، وتنوعها الجغرافي الممتد على مساحات واسعة من العالم. حيث تتكرر فيها التصاميم الهندسية، والخط العربي والأرابيسك كزخرفات تميزها.
وتؤكد: “ولئن كانت صالات العرض أو الصور في المتاحف لا تمكّن أحداً ـ حتماً ـ إلا من رؤية جانب واحد فحسب من القطع ذات الزخرفة الكثيفة، فإننا نستطيع في هذا الكتاب أن ندرس تفاصيلها الخفية، ونبدأ بتكوين فهم أوفى لأسلوبها وتقاناتها ونهجها التصويري. لككنا مع هذا، وعبر تحديد المواضيع المرسومة على مجموعة متنوعة من القطع المختلفة، يمكننا أن نبدأ بتقدير انشغالات الثقافات، التي صنعت فيها هذه القطع، حق قدرها”.
بدايةً طرحت شيلا ر. كانبي سؤالاً يقول “ما الفن الإسلامي؟” لتفتح الإجابة عنه فضاءات واسعة من الأشكال والأنماط المتعارف عليها في هذا الفن، مستندةً في عرضها لصور القطع التوضيحية على مجموعة المتحف البريطاني التي تم ذكر أبعادها التفصيلية في ملحق خاص آخر الكتاب. فمن الخط العربي الذي أعطى المسلمون حروفه الخصائص الزخرفية منذ بداية العصر الإسلامي وما بعد، مروراً بالأرابيسك المعروف بلفائف الكرمة المعرّشة ويمثل دعائم التصاميم الإسلامية، وصولاً إلى الهندسة التي حققت دوراً مهيمناً في التصميم الإسلامي على الرغم من وجودها في أنسجة العصر الروماني والعصر القديم وفسيفسائهما.
كذلك تشير إلى أن أشكال البشر والحيوانات لعبت دوراً مهماً في مجموعة المفردات التزينية للفن الإسلامي. وقد وسّعت استخداماتها المدى الكامل من وظائف قصصية معينة إلى نماذج قياسية للتزيين. وقد دخلت شيلا ر. كانبي في هذا الإطار بشكلٍ خاص، مبينةً أن القرآن لا يحرّم تصوير الأشكال البشرية. وتراها تقول: “لا يحرّم القرآن الكريم، كتاب المسلمين المقدس ـ صراحةً ـ تمثيل الأشكال البشرية، على الرغم من أنه ينص أن الله وحده هو الخالق، وهو واهب الحياة للإنسان والحيوان، كما أنه يرفض الأوثان. أما سنة النبي محمد أو (الحديث)، التي تتألف من مجموعة الأقوال المنسوبة إليه، ففيها مجموعة متنوعة من الإشارات السلبية إلى صنّاع الصور. ومن المثير للغرابة، أن هذه الأقوال تناقضها أقوال أخرى تشير إلى مقتنيات لدى النبي محمد كانت مزينة بأشكال بشرية. وهكذا، يبدو أن (الحديث) يقدّم مبررات لكلا الطرفين في هذه القضية”.
في القسم الثاني من الكتاب “الدين والمعتقدات” تناولت شيلا ر. كانبي وباختصار، بدايات السيرة النبوية حين أوحي للنبي محمد عليه الصلاة والسلام بكلامٍ من الله مركزةً على أهم الحوادث المفصلية آنذاك. وكيف أشرف خلفاؤه على نسخ الوحي المنزل عليه، حيث تحوّل إلى كتاب “القرآن”.
وتوضح قائلةً: “نظراً إلى الأهمية الأساسية، والإجلال الذي يكنّه المؤمنون المسلمون للقرآن، فقد أصبح القرآن موضع اهتام الفنانين والمبدعين منذ البداية. وبما أن نص القرآن لم يكن مصحوباً بصور إيضاحية، فقد اتجه الإبداع والجهد المبذول في إنتاج المصاحف نحو كتابة أحرف جميلة وتزيين ترويسات السور وعلامات التقسيم الأخرى بزخارف تزينيية مذهبة أو غير ذلك من الألوان. وبالمثل كانت المساجد والمدارس (الكليات الدينية الإسلامية) تٌزيّن بالزخارف غير التصويرية والنقوش على البلاط والفسيفساء والخشب والجص والحجر والطلاء”.
أما القسم الثالث وهو “العالم الخارق للطبيعة” فقد تطرقت فيه الكاتبة إلى كيفية انعكاس الاعتقاد بالأرواح والكائنات الخيالية ضمن علم التنجيم على العمارة الإسلامية. فقد زيّن التنين ووحيد القرن والقنطورس والخطاف وأبو الهول العمارة والأشياء الإسلامية في سياقات ظهرت باعتبارها طاردة للشر. إذ نلمح اختلافاً بين أدوار هذه الرموز في الحقيقة وبين استخداماتها التزينية: “ومع أن التنين كان شريراً عادةً في إطار السرد القصصي، فإنه يظهر أيضاً على بوابات المدن والعروش والفخار المزجج، إذ كان من شأنه حماية الناس”.
أيضاً استعرضت المؤلفة في قسم “العالم الطبيعي”، كيف أثرت التضاريس المتنوعة للعالم الإسلامي الممتد من إسبانيا إلى الهند، في الرسوم التوضيحية للمخطوطات أو في تزيينات العمارة والأجسام. وتذكر: “إن واحداً من أهم المعالم الأثرية الإسلامية المبكّرة خارج المملكة العربية السعودية (المسجد الكبير في دمشق) مزين بلوحة واسعة من الفسيفساء تبرز مباني في مشهد طبيعي لأشجار متساقطة شاهقة نمت بالقرب من نهر”.
بدوره تناول القسم الخامس “الولائم” كيف “امتد الاهتمام بتقديم الطعام إلى الأوعية التي كان يقدّم فيها، فقد كانت عظم الطاسات والأباريق والكؤوس والأطباق الكبيرة الإسلامية تعكس الاهتمام في العالم الإسلامي بأهمية إغراء العين، مثلما الأمر مع أهمية الذوق والرائحة عند تقديم الطعام والشراب”. حيث اختلف الطبقات الاجتماعية في استخدام المصنعة بين الفضة والذهب اللذين اشتهرت باستخدامها العائلات الملكية على الرغم من أنه مكروه دينياً، إلى جانب القطع النحاسية المزينة واللامعة مع محافظتها على التعاليم الإسلامية.
وبعد أن تكلّمت شيلا ر. كانبي في القسم السابع “الصيد” عن صوره قبل وبعد الإسلام، حيث للملوك والفرسان أدوار البطولة في هذه الصور. ارتأت في القسم السابع “الحرب” أن الحروب قد سارت جنباً إلى جنب مع انتشار الإسلام بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام. وهنا وبعد الاستعراض التاريخي المختصر، تذهب إلى أن فناني كل حقبة وكل بقعة قد صوّروا أسلحة عصرهم في كل تصويراتهم للحروب.
من الحرب إلى القسم الثامن “الموسيقى” الذي تذكر فيه كيف “ألهمت الموسيقا الفنانين المسلمين على الدوام فصوّروا الموسيقيين والراقصين حيثما ظهروا، كما لعبوا دوراً أساسياً في مجموعة صور البلاط التي تحوي الشاربين والصيادين والمحاربين والملوك المتوجين كذلك”. مع ذكر لأمثلة من عصور وأماكن مختلفة كانت تحت ظل الإسلام.
تنتقل شيلا ر. كانبي في القسم التاسع ولعله الأخير من حيث البحث النظري إلى “السلطة” حيث أن “العبارة الموجودة في كل مكان في الفن والعمارة الإسلاميين هي “الملك لله”، التي تعني انعدام الشك في ان الله هو المصدر الأساسي للسلطة ومكمنها. ومع هذا فإن تاريخ العالم الإسلامي كان يدور حول افراد أقوياء بدءاً من النبي الكريم محمد”. وما تود أن تتوصل إليه هي في استعراضها لبعض المبادئ والأسس السلطوية في التاريخ الإسلامي، انعكاس الأمر على الفنون الإسلامية.
وتقول: “تتضمن صورة السلطة في الفن الإسلامي مجموعة من الرموز بالإضافة لدراسة النقوش، إذ ترمز الشخصيات المتوّجة على العرش إلى الملوك والأمراء، وهم الذين يحكمون في الممالك الكبيرة. وبينما تصوّر هذه الشخصيات عادة على واجهات عروشها، فنادراً ما تتلقى بعض الشخصيات المهمة الأخرى عروضاً من بعض الشخصيات الثانوية، التي قد تكون من الخدم أو التابعين الاجتماعيين. وقد وصل بعض الملوك الذين سبقوا الإسلام إلى منزلة أسطورية تقريباً، وهنا يمكن التعرف عليهم عبر عملية صنع الأيقونات، عندما يظهرون على لأعمال المعدنية والخزفيات. وفي هذه الحالة، تشير الصور إلى السلطة وارتباطها بالحاكم الشهير”.
وككلمة أخيرة نستحضر لكم جزءاً مما كتب على الصفحة الخلفية من الغلاف، في محاولة لرصد ملامح الكتاب بأقسامه كلها، من البداية وحتى النهاية. وقد جاء فيها: “هذه الزخارف تتيح لنا نافذة نطلّ من خلالها على بيئة واهتمامات الناس. فقد جرى تصوير التسليات الممتع، كالصيد والرقص وعزف الموسيقى، على العديد من القطع: وكذلك تشير رموز الأبراج الفلكية ورموز الشمس والقمر على الانبهار بالسموات، بينما تنتشر عناصر الطبيعة والحيوانات الحقيقية في كل مكان في الفن الإسلامي.
_______
*ميدل إيست أونلاين

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *