حوار مع بول أوستر (1)




ترجمة وتقديم: لطفية الدليمي

نشرت الرواية القصيرة ( مدينة الزجاج City of Glass ) لـ ( بول أوستر ) عام 1985 بعد ان رفض سبعة عشر ناشرا نيويوركيا نشرها ، وشكلت أساس ثلاثية نيويورك مع رفيقتيها الروايتين الأخريين : ( الأشباح Ghosts ) و ( الغرفة المقفلة The Locked Room ) اللتين نشرتا السنة التالية لنشر مدينة الزجاج . كان بول أوستر حينها في الثامنة و الثلاثين ومع أنه كان يكتب بانتظام مراجعات وترجمات في الصحافة والمجلات الأدبية وعرف بقصيدته ( الفضاءات البيضاء White Spaces) المنشورة عام 1980 غير ان نشر الثلاثية النيويوركية أشر البداية الحقيقية لمهنته الأدبية .



درس ( بول أوستر ) في جامعة كولومبيا المرموقة في نهاية الستينات وعمل بعدها لعدة أشهر على شاحنة نفط انتقل بعدها الى باريس وعمل فيها مترجما ونشر مجلة صغيرة أسماها ( اليد الصغيرة ) وأدار دار نشر صغيرة مستقلة بنفس اسم المجلة بالاشتراك مع زوجته ( ليديا ديفيس ) . في عام 1972 نشر كتابه الأول الذي كان مجموعة مترجماته تحت عنوان ( أنثولوجيا صغيرة للقصائد السريالية A Little Anthology of Surrealist Poems ) عاد بعدها الى نيويورك عام 1974 ، وفي عام 1982 نشر كتابه النثري الأول ( اختراع العزلة Invention of Solitude ) وهي مذكرات وتأملات عن الأبوة بدأ بكتابتها بعد وقت قصير من موت والده .
اعتاد ( بول اوستر ) أن ينشر كتابا في كل سنة تقريبا منذ ان نشر ثلاثيته ، ومما نشره بعد الثلاثية هو : ( في بلد الأشياء الأخيرة In the Country of Last Things ) عام 1987 ، ( قصر القمر Moon Palace ) عام 1989 ، ( موسيقى الصدفة Music of Chance ) عام 1992 ، ( الليفياثان Leviathan ) عام 1992 ، ( كتاب الأوهام The Book of Illusions ) عام 2002 ، ( ليلة الوحي Oracle Night ) عام 2003 . منحت الحكومة الفرنسية أوستر وسام الفنون و الاداب بدرجة فارس عام 1998 تقديرا لأعماله الأدبية ومساهماته الترجمية للأدب الفرنسي الى العالم الناطق بالانكليزية .
تمتاز اعمال اوستر بانها تمتد على طيف واسع من الاهتمامات و الاشتغالات الأدبية : روايات ، مقالات ، مترجمات ، قصائد ، مسرحيات ، أغنيات ، أعمال مشتركة مع فنانين ، كما كتب سيناريوهات أفلام : الدخان Smoke عام 1995 ، أزرق في الوجه Blue in the Face عام 1995 ، لولو على الجسر Lulu On the Bridge عام 1998 ، و قام بأخراجها أيضا!!
أجرى ( مايكل دود ) المحرر في ( باريس ريفيو ) حوارا شاملا مع بول اوستر عام 2003 في مركز أونتنبرغ الشعري في مدينة نيويورك ثم أكملت المحاورة في منزل أوستر في بروكلين حيث يقيم اوستر مع زوجته ( سيري هيستنفيدت ) التي تعمل كاتبة هي أيضا . كان أوستر كريما مضيافا وقد اعتذر عن الجلبة التي كانت تصدر عن أعمال نصب التكييف المركزي في قلب الحجر البني للمنزل الذي يعود إنشاؤه الى القرن التاسع عشر . أتاح لنا اوستر جولة قصيرة في ذلك المنزل التاريخي قبل الحوار : كانت غرفة المعيشة مزدانة برسومات صديقيه ( سام ميسر Sam Messer ) و ( ديفيد ريد David Reed ) و كان في الصالة الامامية مجموعة من صور العائلة بينما غطت رفوف الكتب جدران مكتبه الكائن في الطابق الأرضي و بالطبع كانت الة كاتبة شهيرة الماركة موضوعة على منضدته . 

الحوار 
× دعنا نبدأ حوارنا بالحديث عن طريقتك في العمل . ما الوسائل التي تستخدمها في الكتابة ؟
• اعتدت على الكتابة دوما بيدي مستخدما قلم حبر وأحيانا أستخدم قلم الرصاص لاجراء تصحيحات ، ولو كان بامكاني ان أكتب مباشرة على الآلة الكاتبة أو الكومبيوتر لفعلت لكن لوحات المفاتيح تتسبب لي برهبة عظيمة فلم اكن في يوم ما قادرا على ان افكر بوضوح و اصابعي موضوعة على لوحة مفاتيح أو ازرار حروف . القلم أداة اكثر بدائية وتشعر معه ان الكلمات تنساب من داخل جسدك وانت تحفر الكلمات بوساطة القلم على الورقة التي امامك ، ولطالما كان لفعل الكتابة تلك الخاصية اللمسية التي اراها تجربة فيزيائية باعثة على الإدهاش دوما .
× هل تكتب دوما في مفكرات Notebooks ؟
• نعم اكتب دوما في مفكرات ولدي شبه عبادة صنمية لتلك الدفاتر الصغيرة الصفراء اللون المعلمة بالمربعات الصغيرة .
× و لكن ماذا عن الآلة الكاتبة نوع أولمبيا Olympia ؟ نعلم جميعا انك نشرت كتابا مدهشا مع صديقك الرسام ( سام ميسر ) بعنوان ” قصة التي الكاتبة The Story of My Typewriter ” ؟
• امتلكت آلة كاتبة من ذلك النوع منذ عام 1974 أي لاكثر من نصف عمري وقد ابتعتها مستعملة من صديق جامعي لي ولم تخذلني ابدا لاكثر من أربعين عاما ، وكل ماكان يتوجب علي عمله لها هو ان ابدل أشرطتها الطباعية بين الحين والاخر لذا تراني اخشى مواجهة يوم لن تتوفر فيه اشرطة طباعية لآلاتنا الكاتبة وعندها لا بد ان استحيل انسانا رقميا وانخرط في القرن الحادي والعشرين رغما عني !!

× تبدو هذه حبكة صالحة لنواة قصة عظيمة لبول اوستر : اليوم الذي تذهب فيه للسوق لشراء ذلك الشريط الطباعي الأخير لآلتك الكاتبة ؟
• اخذت احتياطاتي الكاملة فلدي خزين كامل من 60 او 70 شريطا طباعيا في غرفتي و لسوف ابقى لصيقا بآلتي الكاتبة رغم كل الغوايات بالانصراف عنها فهي ثقيلة و غير ملائمة و لكنها مع كل هذا تحميني من الوقوع في فخ الكسل.

× كيف ادركت اول مرة أنك تميل لان تكون كاتبا ؟
• ربما بعد سنة من قناعتي بانني لم اكن اصلح ان أكون لاعب بيسبول ينافس في المسابقات الوطنية ، فقد كنت حتى السادسة عشرة أرى في البيسبول الانشغال الطاغي والأكثر أهمية في حياتي .
× كل من قرأ رواياتك يعرف ان ما من واحدة منها تقريبا تخلو من الإشارة الى البيسبول ؟
• أحببت البيسبول منذ صغري ولا زلت أحب مشاهدتها والتفكير فيها فقد فتحت لي هذه اللعبة وبطريقة غامضة نافذة اطل منها على العالم و فرصة لأعرف من انا ، وكطفل صغير لم اكن في وضع صحي مريح و كنت اعاني من اعتلالات صحية كثيرة وكنت اغلب الوقت أجلس في صالة الانتظار عند عيادات الأطباء برفقة والدتي في وقت كان فيه اترابي يمرحون مع مختلف أنواع الرياضات ، ولم أكن قادرا على ممارسة أية رياضة حتى بلغت الرابعة او الخامسة وعندها انغمست مع الرياضة بكل الشغف الممكن وكأنني كنت اعوض ما فاتني من سنوات مبهجة ضائعة . علمني لعب البيسبول كيف أعايش الناس و كيف يمكنني ان انجز شيئا ما اذا ما وضعت كل جهدي وتفكيري في محاولة إنجازه .
× تبدو الانتقالة من البيسبول الى الكتابة غير اعتيادية ربما من وجهة نظر ان الكتابة فعل انعزالي بعكس البيسبول الذي هو فعالية جماعية ؟
• لعبت البيسبول في الربيع والصيف ولكنني كنت اقرا الكتب طيلة أيام السنة وقد سكنتني القراءة وتضخمت رغبتي فيها مع تقدم العمر و ليس بامكاني ان أتصور كاتبا ما لم يكن قارئا نهما في صباه . القارئ الحقيقي يرى في الكتب عالما متكاملا أكثر ثراء وقدرة على الإمتاع من أي عالم فيزيائي اخر راه او سافر اليه وأرى أن هذا هو ما يدفع اليافعين من الشباب و الشابات ليكونوا كتابا : انها السعادة التي يكتشفونها وهم يعيشون مع الكتب .
× ماذا عن المؤثرات المبكرة فيك ؟ من الكتاب الذين كنت تقرأ لهم و انت لا تزال طالبا في المدرسة ؟
• كانوا كتابا أميركيين على الأغلب : فيتزجيرالد ، همنغواي ، فوكنر ، دوس باسوس ، سالنجر ، ثم اكتشفت لاحقا الأوروبيين وبخاصة الروس منهم : تولستوي ، دوستويفسكي ، تورجينيف ، كامو ، جيد ، جويس ، ثوماس مان واذكر بخاصة جويس .
× هل كان لـ ( جويس ) التأثير الأعظم عليك ؟
• نعم الى فترة ما ولكنني حاولت ان اكتب مثل كل واحد من الكتاب الذين كنت اقرأ لهم . يمكن لاي شيء ان يؤثر فيك وانت يافع وتمضي انت بتغيير افكارك كل بضعة شهور .
× أشرت في بعض كتاباتك الى بعض الكتاب الذين اثروا كثيرا فيما تكتب : سرفانتس ، دكنز ، كافكا ، بيكيت ، مونتين ؟
• هؤلاء وغيرهم من الكتاب الذين ذكرت قبلا وكثير غيرهم يسكنونني على الدوام واظن انهم سيبقون يسكنونني دوما.
 يتبع
_____
*المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *