* ترجمة وإعداد: لطفية الدليمي
القسم الأول
شينوا أتشيبي الروائي الذي يوصف عادة بأنه ” عميد الكتّاب الأفارقة ” و” أب الأدب الأفريقي الحديث ” ولد بشرق نيجيريا عام 1930 و تتلمذ في المدارس الحكومية و كان من الخريجين الأوائل من جامعة ( ايبادان ) المرموقة في نيجيريا و عمل بعد تخرجه في هيئة الإذاعة النيجيرية كمنتج إذاعي و مخرج للبرامج الموجهة إلى الخارج و بدأ مهنة الكتابة في هذه الحقبة من حياته . ألف أتشيبي أو ساهم في تأليف أو تحرير نحو سبعة عشر كتابا تضم خمس روايات نذكر منها : ( الأشياء تتداعى Things Fall Apart ) 1958 ، ( سهم الله Arrow of God ) 1960 ، ( لا راحة بعد اليوم No Longer At Ease ) 1960وقد ترجمها البعض ( مضى عهد الراحة )، ( رجل الشعب A Man of the People ) 1966 كما عمل محررا لسلسلة ( هاينمان ) المرموقة الخاصة بالأدب الأفريقي و حصل على ما يقارب الـ 25 درجة دكتوراه فخرية من جامعات مرموقة في جميع أنحاء العالم .
أجرت مجلة ( باريس ريفيو ) الحوار الذي يلي هذه المقدمة على جلستين في مناسبتين مختلفتين : الأولى كانت قبل لقائه المباشر مع الجمهور في مركز ( أتينبرغ ) الشعري في إحدى الأمسيات الباردة و الماطرة من شهر كانون الثاني و كانت مناسبة ذلك اللقاء الحيوي هو الاحتفاء بولادة ( مارتن لوثر كنغ ) الذي يكن له أتشيبي قدرا كبيرا من الإجلال . جلس أتشيبي خلال ذلك اللقاء الاحتفائي بمحاذاة طاولة صفت عليها باقات الورود و بدا مرتاحا للغاية و جذب اهتمام الحاضرين بحديثه الشيق عن قصص من طفولته و شبابه ، أما جلستنا الثانية لحوارنا معه فكانت في أحد الأيام الخريفية المبكرة اللاحقة لشتاء لقائنا الأول في منزل أتشيبي في نيويورك ،و لا ننسى كيف فتح لنا الباب و هو على كرسيه المتحرك و قادنا بكل الكرم و الكياسة إلى مكتبه عبر غرفة المعيشة الواسعة و الأنيقة ووجدنا المكتب غرفة ضيقة طويلة صفت على جدرانها كتب عديدة في التاريخ والدين والأدب . يفضل أتشيبي ارتداء الملابس النيجيرية التقليدية الفضفاضة و عندما يراه المرء بهذه الملابس تترشح في الذاكرة صورة القس في روايته ( سهم الله ) أكثر بكثير مما ترد صورة ( أوكوسكو ) في روايته الثانية ( الأشياء تتداعى). يبدو أتشيبي شخصية مسالمة تماما و عيناه تشعان حكمة و يتصرف بتواضع واضح ، و لكن متى ما بدأ الحديث عن نيجيريا أو الأدب فانه يستحيل شخصا آخر ،إذ سرعان ما تبرق عيناه و ينقلب راوي قصص بارعا متوهجا و معتدا بنفسه.
في عام 1990 عندما بلغ أتشيبي الستين من العمر عقد زملاؤه في جامعة نيجيريا مؤتمرا عالميا خاصا لتكريمه و إطراء أعماله المميزة في حقلي الأدب الأفريقي و العالمي ، عقد المؤتمر تحت عنوان دراماتيكي هو ” نسر على الإيروكو ” ، و الإيروكو هي أعلى شجرة تنمو في ذلك الجزء من القارة الإفريقية !! و كان هو آنذاك أستاذا للغة الإنكليزية و رئيسا لقسم اللغة الإنكليزية في الجامعة و قد اختير يوم التكريم بقصدية واضحة ليكون يوم إطلاق سراح ( نلسون مانديللا ) من السجن و الذي اعتبر عطلة رسمية في حينه . بعد شهر من ذلك المؤتمر و عندما كان أتشيبي في طريقه إلى مطار لاغوس ليعمل أستاذا في جامعة دارتموث الأمريكية أصيب إصابة بالغة في حادثة سيارة و أجريت له جراحة في مستشفى بلندن واستوجبت شهورا من النقاهة المؤلمة و مع انه كان محكوما بالارتماء في أحضان كرسي متحرك إلا انه أبدى قدرة مبهرة على الشفاء و العودة ليبدو كما اعتاد أن يكون.
ملاحظة من المترجمة
توفي تشينوا أتشيبي في 22 آذار 2013 في الـ82 من عمره إثر مرض لم يمهله طويلا ووصفته الكاتبة الجنوب أفريقية نادين غورديمر الحاصلة على جائزة نوبل للآداب بأن أتشيبي هو ” عميد الأدب الأفريقي الحديث” عندما كانت بين المحكمين الذين منحوه جائزة “مان بوكر” الدولية سنة 2007 تكريما لمسيرته الأدبية ووصفه الزعيم نيلسون مانديلا بأنه “الكاتب الذي انهارت جدران السجن في صحبته ” فقد قرأ مانديلا روايات الأديب الراحل خلال أعوام سجنه الطويلة).
الحوار
× هل يمكنك أن تخبرنا في البدء شيئا عن عائلة أتشيبي و نشأتك في قرية ( أكبو Igbo ) ، و عن تعليمك المبكر و هل كان هناك ما ينبئ عن مواهبك الكتابية ؟
• أعتقد أن الشيء الواضح في ما يخصني في طفولتي كان شغفي بالقصص التي كانت ترويها في منزلنا والدتي و من بعدها أختي الكبرى كمثل قصة ( السلحفاة) ،و عندما بدأت الذهاب إلى المدرسة أحببت كثيرا القصص التي كنت أقرأها آنذاك و التي كانت تختلف كثيرا عما اعتدت سماعه ، كان والدي معلم دين بروتستانتيا قضى خمسا و ثلاثين سنة من حياته برفقة والدتي و هو يجوب نيجيريا للتعليم في مدارسها البروتستانتية و كنت أنا الخامس بين أطفالهم الستة . عندما بدأت الذهاب إلى المدرسة و تعلم القراءة أبهرني التعامل مع أناس مختلفين من بقاع بعيدة و قد ذكرت في احدى مقالاتي نوع الأشياء التي كانت تبعث في دهشة عجيبة آنذاك : الأشياء العجيبة و الغريبة مثل سحلية اعتادت العيش في أفريقيا و أخذت إلى الصين لكي تجد فانوسا … أشياء مثل هذه كانت مثيرة لي لأنها كانت تدور عن أشياء بعيدة عنا و ليست في متناولنا و هي بذات الوقت ذات سمة أثيرية ، ثم كبرت و بدأت أقرأ عن مغامرات لم أسمع عنها من قبل و التي كان يفترض فيها مني ان أقف بجانب المتوحشين في معركتهم مع الرجل الأبيض الطيب ، لكنني غريزيا كنت أقف بجانب الناس البيض !!فقد كانوا طيبين و أذكياء و لم يكن الآخرون هكذا : كانوا أغبياء وقبيحين . هكذا كما ترى هي الطريقة التي تعاملت فيها مع الخطورة الفائقة لسماع قصص تتلى عليك و هي قصص ليست من بيئتك الخاصة و ثمة مثل عظيم أود استخدامه في هذه الموضوعة : ( ما لم يكن للأسود مؤرخوهم فإن تأريخ الصيد سيمجد الصياد و يعلي من شأنه دوما ) ،و لم أدرك الحقيقة الكامنة وراء هذا إلا متأخرا عندما أردت ان أكون كاتبا يصلح للقيام بدور المؤرخ و ليس هذا بمهمة رجل واحد و لكنه شيء علينا تأديته في كل الأحوال من اجل ان يكون ممكنا لمؤرخ قصة الصيد أن يحكي عن الأهوال و كدح وشجاعة الأسود و ليس الإنسان حسب .
× كنت من أوائل الخريجين من جامعة ( أيبادان ) . كيف كنت تشعر و أنت طالب يافع في تلك الجامعة و ماذا درست فيها ؟ و هل بقي لها من تأثير ما على ما تكتب ؟
• جامعة ( أيبادان ) كانت مؤسسة عظيمة و بطريقة ما أزاحت النقاب عن التناقض الكامن في الحقبة الكولونيالية ، أعني ان الحكم الكولونيالي البريطاني لو ذكرت له حسنات فسيكون تأسيسه لجامعة أيبادان قبيل خاتمة الحقبة الكولونيالية من بين أعظم حسناته . تأسست الجامعة في البداية و كالعادة المعهودة آنذاك ككلية ملحقة بجامعة لندن فهكذا كانت الأمور تجري تلك الأيام . بدأت في الجامعة دراسة العلوم ثم التاريخ و الإنكليزية و الديانات و قد وجدتها جميعا مفيدة لي للغاية ، و قد كانت دراسة الديانات جديدة كل الجدة و مثيرة لي بذات الوقت لأننا لم نكن نختص باللاهوت المسيحي وحده بل تناول المنهج ديانات غرب أفريقيا أيضا . أذكر البروفيسور ( جيمس ويلش James Welch ) في قسم اللغة الإنكليزية و كان رجلا فائق الإمكانيات كما كان واعظا في أعلى درجات البلاغة و أذكر انه قال لي مرة : ” ربما لن نكون قادرين على تعليمك ما تحتاج أو ما تريد ، لكننا نستطيع في الأقل تعليمك ما نعرف وحسب ” وأرى اليوم ان ما قاله البروفيسور ويلش كان رائعا و كان افضل تعليم حصلت عليه في حياتي كلها فقد كان علي ان اجد طريقي الخاص بي و ان ارتقي بنفسي بجهدي الذاتي و حسب.
× بعد ان أكملت دراستك الجامعية ، كيف حصل ان عملت في هيئة الإذاعة النيجيرية ؟
• حصلت على تلك الوظيفة بتوصية من البروفيسور ويلش الذي حاول جاهدا ان يحصل لي على منحة دراسية في كلية ( ترينيتي Trinity ) في كامبردج لكنه لم يفلح فكان ان عمل على تأمين وظيفة لي في الإذاعة النيجيرية المؤسسة حديثا و التي كانت تضم الكثير ممن سبق لهم ان عملوا في هيئة الإذاعة البريطانية BBC و لم أعمل فيها لأنني كنت احب العمل الإذاعي بل لأنني لم امتلك أية فكرة محددة عما كان يمكن لي ان اعمل بعد تخرجي في مكان كهذا وكم اعجب اليوم من حال الطلبة فهم يعرفون تماما أية مهنة سيمارسون في أول يوم يضعون فيه أقدامهم في الكلية ، فلم يكن ممكنا لنا ان نفعل هذا و كل ما كان علينا فعله ان نجتهد في دراستنا و أدائنا الجامعي على الرغم من أننا لم نكن نعرف إلى أين ستؤول بنا الأمور .
× يشير عنوانا كتابيك الأولين ( أشياء تتداعى ) و ( لا راحة بعد اليوم ) أنهما مأخوذان من شاعرين حديثين : إيرلندي و أمريكي ، في حين غالبا ما يستعير الكتاب السود عبارات من ييتس – و أنا هنا أشير إلى ملاحظة بول مارشال – . أتساءل فيما اذا كان ييتس و إليوت من بين شعرائك المفضلين؟
• نعم هما من المفضلين بالتأكيد . لطالما أحببت ييتس ذلك الإيرلندي الجامح وأحببت حقا كثيرا عشقه للغة و استرساله الجميل و بدت لي أفكاره الفوضوية هي ما يمكن لشاعر حقيقي ان يقوله تماما ، و في ما يخص الشغف كان ييتس دوما في الجانب الصحيح و كتب على الدوام شعرا جميلا و كنت أرى فيه شاعرا مسكونا بذلك النوع من الشغف الذي يملؤني أنا أيضا ، أما تي . أس . إليوت فمختلف تماما فقد كان علي ان أدرسه طويلا و أنا في جامعة ايبادان وكانت له سطوة ناجمة عن معرفته الموسوعية التي يمكن وصفها بأنها ” كهنوتية ” السمات مع بلاغة طاغية .
يتبع
_________
* عن المدى
_________
* عن المدى