حكاية الشاعر المنكود وزوجته النكداء

خاص- ثقافات

*د .محمد عبدالحليم غنيم

     قالت لي جدتي : عليك أن تحتفظ بالطاقية والعصا .. فهما اللتان بقيتا لي فقط . أما الحصان فقد باعه أبوك يوم أن عرس بأمك، وبعد ذلك لم أعد أطلب من جدتي أن تقص عليّ الحكاية لأنني كنت أعيشها في كل لحظة ، وكنت صغيرا ، و لم أكن قد ابتليت بالنكداء .. ومن هنا بدأت الحكاية .

*الطاقيـــــة :

    أتساءل في البدء : هل يستطيع الإنسان أن يعيش في هذه الدنيا بدون طاقية ؟ الإجابة عن هذا السؤال هي نقطة الخلاف بيني وبين زوجتي النكداء وعندما أقول النكداء فأنا لا أقدح فيها ، فهي بالفعل نكداء ، والمنكود بالطبع هو أنا ، تجعل من ليلى نهاراً ومن نهاري ليلاً ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ما علينا ، المهم أن النكداء ترى دمى ثقيلا وأنا مرتد هذه الطاقية ، لا تخرج معي إلا إذا خلعتها , ولا تنام معي في حجرة واحدة إلا إذا خلعتها ، وليت الأمر يتوقف عند هذا وإلا ما كان هناك مشكلة بالمرة ، إنها باختصار تريد حرق الطاقية ، يا للغباء ! وأنا شاعر هل هناك شاعر بلا طاقية ؟! حقا ناقصات عقل ودين ،عبثا أحاول أن أفهمها قيمة الطاقية وفوائدها العظيمة ، لكن ما في الرأس في الرأس، أقول لها : لولا هذه الطاقية ما كان استطاع الصبي أن يدخل الغابة ويصل إلى الشجرة ويقطف الليمونات الثلاث .. فلا تصدق . أحلف لها بكل المقدسات ولا تصدق . تقول البلهاء أنى ملحوس العقل ، وأن مكاني بين المجانين في مستشفى الأمراض العقلية . ماذا أفعل بدون الطاقية التى تقى أذني من البرد ؟ لن أستطيع الذهاب مبكرا إلى المخبز لكي أجلب لها الخبز قبل الزحمة .

*العصــــا :

 ” العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه المقالة “

 وهذه النكداء بعد أن أخفت الطاقية ليس لها غير قرع العصا . لو لم يبع أبى الحصان ، لكنت قرعت رأسها فتنفلق نصفين وعند ذلك ألبس الطاقية وأركب الحصان وآخذ العصا وأفر بعيدا عن هذه النكداء ، لكن كيف يكون ذلك وأبى باع الحصان وهى أخفت الطاقية والآن تريد أن تكسر العصا ؟!. لم يبق غير العصا لم يكفها كل الذي فعلته البلهاء تظنني سأسكت لها ، لا ، في هذه الحالة أخنقها بيدي هاتين ، سوف أخنقها النكداء العاقر ، ألا تستحي ؟!

* المـــــــاء :

     اعطني يا سيدي جرعة ماء . لا أسألك أن تعطيني خبزا , فقط جرعة ماء ، لي في مدينتكم هذه  يومان ولم أذق طعم الماء .. اسمع هذه الحكاية، يحكى أنه في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ، كان رجل شاعر يضرب على قيثارته فيشجى السوقة والملوك بكلام مؤثر وحكايات عجيبة واتفق أنه ذات يوم سمعته زوجة الملك فأمرته أن يكف عن الغناء وكانت امرأة شريرة  ، يخشى بأسها ، تضرب بالسيف وتلعب بالرمح وتكيد للرجال ، فامتثل الشاعر المسكين للأمر وكان الملك غائبا في هذه الأيام ، فاخذ يبكى وهو يقول لنفسه لو كان الملك هنا ما صار هذا حالى، وبينما هو على تلك الحالة يفكر في الأمر ويتدبر انشقت الأرض وطلعت منها صبية مليحة بوجه مثل البدر ، فاندهش لطلعتها وأعجب بجمالها ، فوقعت محبتها في قلبه على الفور ، وقال لها : أنجديني يا سيدتي .. وقد عرف أنها جنية من بنات الجن ، وأخذ يحكى لها ما حدث له من الأول إلي الآخر فقالت له وهى تبتسم : أنا ما جئت يا نور العين إلا لهذا ! ففرح المسكين وهوى على قدميها ليقبلها ، فإذا بها تصرخ صرخة مدوية شالته من فوق الأرض وهى تقول : لا تلمسني , فصعق المسكين وقال بقلب باك وفم شاك ، لماذا يا سيدتي ، فقالت وهى تلهث : لا تسأل فيما لا يعنيك ، ولكن خذ هذه الطاقية وتلك العصا .. وأمام الباب ستجد فرسا مربوطا .. حله واركبه ثم البس الطاقية وخذ معك العصا واعلم أنك إذا لبست الطاقية فلن يراك أحد .. أما العصا فما عليك إلا أن تطرق بها أي باب فيفتح لك على الفور, وركب الرجل وهو يكاد يطير من الفرح , وبعد دقائق وصل ، لكن المسكين وجد القصر خاليا لا يوجد به صريخ ابن يومين ، فعاد أدراجه مكسور الجناح وراعه أن المدينة هادئة وخالية ، فعلم أن أهلها قد هجروها , فأوقف الفرس وأخذ يبكى ثم أحس بالعطش الشديد .. هل مللت يا سيدي ؟.. لا تعجبك ! تقول عندك مثلها ، اعطني جرعة ماء وأنا أقول لك حكاية أفضل منا ألف مرة .. لا تريد ؟ إنها حكاية جديدة ، لم أحكها لأحد من قبل .. حكاية حقيقية ، أقسم إنها حكاية حقيقية .. ماذا تقول ؟ سأحكيها لك من الآخر . اسمع : لقد خنقت زوجتي النكداء بيدي هاتين .. لا تصدق .. أنت حر .. اعطني الماء .

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *