نصوص


*عثمان بالنائلة


خاص ( ثقافات )
عبثا
سمع طنين ذبابة. اِقشعرّ بدنه. أجال نظره داخل الغرفة. رآها تستقرّ على الحائط بجانب الخزانة. صعد فوق الكرسيّ. و حاول الإمساك بها. فلم يقدر. بقي يتبعها حيث تحلّ. و اِنتهى بها المطاف على خدّه. فصفعه. و قتلها. و ما كاد يفعل ذلك حتّى سمع طنين ذبابة أخرى.
مسافات
كان يتمشّى على شاطئ البحر في يوم غائم. رأى قارورة. فاِستخرجها من الرمال. وجد بداخلها ورقة مصفرّة. فاِتّضح له أنّها رسالة كتبتها آنسة فرنسيّة إلى مجهول. قرأها بتؤدة. تحدّثت الفتاة عن وحدتها و عن عشقها للطبيعة بلغة شاعريّة. أعجبته رقّتها. كما وصفت فيها خصال رجل أحلامها. وذيّلت رسالتها بعنوانها في مدينة مرسيليا. دهش لمّا رأى تاريخ كتابة الرسالة الّتي تعود إلى سنة 1910. و أحسّ بشعور مفاجئ بالحسرة.
حنين
أعدّ حقيبته بعناية. و دسّ فيها كيس “البسيسة” بين أغراضه. ودّع والديه في المطار باكيا. و سافر إلى اليابان حيث كان سيقيم طيلة ثلاثة سنوات كاملة دون أن يكون بإمكانه العودة إلى بلاده لغلاء المعيشة هناك. فتّش عون الديوانة عند وصوله حقيبته. و اِستخرج الكيس. نظر إليه شزرا. و قال: “عفوا فلا يمكن إدخال مسحوق كهذا إلى اليابان.”. فأسرّ في نفسه قائلا: “ليتك تفهم معنى أحنّ إلى “بسيسة” أمّي.”.
الثين
كان منذ صغره يقلب السين ثاء. وبّخه المؤدّب. و واساه بعض أساتذته. و إستاء منه آخرون. و تندّر عليه الكثير ممّن عرفهم. تحصّل على شهادة الدكتوراه في الإعلاميّة. و أصبح أستاذا جامعيّا. و أطلق عليه طلبته لقب دكتور ثين. و بقي هو لا يقرأ في صلاته سورة الناس بعد الفاتحة.
إعجاب
رأته جالسا في محطّة المترو و هي كانت واقفة. بقي يتأمّل وجهها المشرق. قام. و دعاها إلى الجلوس. فشكرته مداعبة خصلات شعرها. بقي يتبادلان النظرات و الاِبتسامات بين الفينة و الأخرى. وصل المترو. فتهيّأ الجميع للركوب فيه. اِقترب منها يبتغي محادثتها. ففرّت مشمئزّة منه بسبب رائحته المقرفة.
عن بعد
قال لها أنّه كان في فندق خمس نجوم مطلّ على مرسى القنطاوي في مدينة سوسة. حدّثها على جودة الخدمات و عن السيّاح الوافدين على النزل. و رجّح أن جنسيّة أغلبهم فرنسيّة. وصف لها اليخت الكبير الّذي أعجبه. و لمّا تمّت المكالمة تلفّت إلى الجالسين المنصتين إليه يتغامزون ضاحكين في إحدى المقاهي في العاصمة.
شكّ
عدّت النقود الّتي كانت مخبّأة في جزدانها عدّة مرّات. فتّشت بعناية حقيبتها و كلّ أرجاء غرفتها. ذهبت متوتّرة إلى غرفة الجلوس. و وجدت هنالك زوجها جالسا يطالع الجريدة. نظرت إليه باِرتياب. وترشّفت القهوة من فنجانه لتغيظه. فلم يحرّك ساكنا. و أسرّ في نفسه: “أعرف طباعك يا زوجتي الشكّاكة الّتي لا تحسن العدّ.”.
المقدرة الشرائيّة
نظر إلى ثمن العصير متعجّبا. و قال: “يا لها من أسعار باهظة. يريدون أن نقتطع من لحمنا الحيّ لنعطيهم.”. و واصل التبضّع في الممتجر الكبير. تلقّى مكالمة هاتفيّة. أخبره أخوه أنّ جدّه الّذي توفّي قد ترك ثروة طائلة و أنّ المحامي قد أخبره بوجوب اِجتماع الورثاء لتقسيم التركة. فرح. و عاد أدراجه. و أخذ مبتسما قارورتين من العصير.
الناعس
غفا القاضي بعض الوقت جالسا ممدّد الأطراف. و سرعان ما شخر. أيقظه فجأة رنين جرس الهاتف. فاِنتفض. و اِنتبه إلى أنّ السيجارة اِستحالت إلى رماد. اِبتلع ريقه. و تكسّل. ثمّ رفع السمّاعة. فسمع صوت زوجته توبّخه لأنّه لم يرسل لها بعد طلباتها. طمأنها أنّه قد كلّف أحدهم ليشتري لها لوازم البيت. و أقفل الخطّ. و تمطّى. نظر إلى أكداس الملفّات الّذي ما فتئت تتزايد أمامه. ضمّ يديه. و أسندهما إلى المكتب. و وضع خدّه الأيمن عليهما. و نعس.

ذاكرة
فحص المحرّك. و تأكّد أنّ كلّ شيء على ما يرام. ألقى بقطعة القماش المتّسخة أرضا. و اِتّسعت عيناه و هو يلقي نظرة أخيرة على المكابح. تذكّر فجأة كلام “المعلّم”: “إيّاك أن تطمئنّ لحدسك في الميكانيكا. تأكّد من كلّ شيء بنفسك. فوحدها العين المتثبّتة الّتي لا تخطئ.”. رأى صبيّه البدين ينكش بيد شعره. و يحرّك لاعبا باليد الأخرى المفاتيح الموجودة في الحقيبة المعدنيّة. صرخ في وجهه: “ألم أطلب منك تشحيم قطع الغيار.”. فاِنتفض الولد. و قال متلعثما: “شكرا لأنّني يا معلّم قد كدت أنسى.”.
____
*كاتب تونسي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *