خاص- ثقافات
*عزالدين الشدادي
إن مقياس الأمم يقاس بالفكر ، وبه تتقدم الحضارات الإنسانية وتزدهر الثقافات ، وباحترام الفكر تحترم العقائد والأديان ويعم التواصل والحوار بين الأمم والشعوب بحيث هذا الأخير وحده الكفيل بتحقيق سلام مشترك وأمن عام وحياة مشتركة يحترم بداخلها الفرد في منأى عن معتقده أو لونه أو جنسه.
من هذا المنطلق لعب التعليم الدور الريادي في تحقيق النهضة والرقي داخل الحضارات بشكله المباشر وغير المباشر، فكان مساهما في تكوين الأفراد وتوجيهم فكريا وذلك عبر آليات اختيار المواضيع والأفكار وتنقيحها من كل شوائب الايدولوجيا أو الطائفية والعرقية التي قد تزرع نوعا من العنف تجاه المخالف والمغاير والنقيض باعتباره الحامل للشرور والآثام ، لذا اعتبر الحق في التعليم حقا شموليا وكليا يتجاوز حدود توفير مدارس ومعلمين وأقسام إلى اختيار مناهج وكتب تحترم الآخر المخالف فكريا وعلميا وعقديا ، وتبتعد كل البعد عن كل تحريض أو ترهيب .
في هذا المضمار نستحضر وبكل أسف ما تضمنته كتب منار التربية الإسلامية الموجهة لمستويات تلاميذ وتلميذات الجذوع والسنة الأولى من البكالوريا الذي شهد صدور تنقيحه الأخير جملة من الانتقادات كان أبرزها انتقاد الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة التي أصدرت بيانا استنكرت فيه وبشدة على هذا الجنب السلبي الذي يمس بالمادة تربويا وأخلاقيا في خرق سافر لمبادئ الدستور المغربي والميثاق الوطني للتربية والتكوين ومبادئ حقوق الإنسان والطفل كما صادق عليه المغرب دوليا ، وأدان ودعا في ذات البيان :
-
التوجهات الرسمية للدولة ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني مع تحميلهما المسؤولية التامة في الدفع بالبلاد إلى الفتنة والتطرف
-
محاسبة المؤشرين على هذه الكتب المدرسية المتطرفة والتي لا تراعي منهاج مادة التربية الاسلامية الداعي إلى التسامح والوسطية.
-
دعوة الدولة المغربية ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني إلى الحسب الفوري لهذه الكتب من التداول المدرسي حفاظا على سلامة الجو المدرسي
-
خوض أشكال احتجاجية تبدأ بحمل الشارة الحمراء وسط المؤسسات التعليمية والفصول الدراسية
وبعد قراءتنا لهذا الكتاب الذي أثار نقاشا حادا انخرطت فيه الآن مختلف الفعاليات الحقوقية ، وقفنا عند العديد من الملاحظات التي تشير بشكل مباشر إلى التوجه غير البريء لمثل هذه المضامين ، وقبل أن نتطرق إلى هذه المضامين نقف عند مقدمة الكتاب الموجهة إلى التلاميذ والتلميذات (صفحة 2) والداعية إلى :
-
امتلاك رصيد معرفي في مجالات العلوم الشرعية واللغوية والأدبية والعلوم الإنسانية والثقافية والحقوقية
-
الإلمام بمكونات الثقافة العربية الاسلامية والانفتاح على مختلف الثقافات
-
اكتساب القدرة على معرفة الذات المتشبعة بالقيم الاسلامية السمحة وقيم المواطنة وحقوق الإنسان وبلورة ذلك في علاقات مع الآخرين
وكذلك نقف عند ذلك التعارض الواقع بين ما جاء في مضامين هذه الكتب والتوجيهات التربوية للمادة (التربية الاسلامية ) في نقطة اختيارات وتوجهات في مجال القيم المستقاة من المرتكزات التابثة المنصوص عليها في الميثاق الوطني للتربية والتكوين المهني والتي حددها في ما يلي :
-
قيم المواطنة وحقوق الإنسان ومبادئها الكونية
-
اعتماد مبدأ التكامل والتنسيق بين مختلف أنواع المعارف وأشكال التعبير وبلورة علاقة قائمة على الانفتاح ومتشبعة بالقيم الاسلامية المتسامحة
وبعد قراءتنا لهذا الإصدار كمواطنين قبل أن نكون كمدرسين لمادة الفلسفة أثار انتباهنا العديد من المسائل المنهجية والتربوية والفكرية التي تجلت ملامحها في درس العقيدة (صفحة 80) المعنون ب ” الإيمان والفلسفة ” ، والتي يمكن رصدها كما يلي :
-
العنوان الحامل لنوع من التصنيف بين الإيمان وغير الإيمان والواضع للتمييز بين عنصري الإيمان والكفر
-
الأهداف التعليمية للدرس التي أشارت إلى التعارض والاختلاف بين الإيمان والفلسفة بدل ان تشير إلى ذلك التقاطع او اوجه الشبه والاختلاف بين الفلسفة والإيمان أو بين الملة الفاضلة والفلسفة
-
الاستشهاد بنص ابن تيمية (صفحة 80) الملقب بشيخ الاسلام الذي يشير إلى أن كل ما خالف خبر الرسول عليه الصلاة والسلام فهو باطل ، وقول كهذا فيه نوع من الدوغمائية والوثوقية العمياء
-
الحصيلة والاكتساب (صفحة 82) التي اعتبرت إنتاج الفكر الإنساني المخالف لما جاء به الإسلام عبارة عن افتراضات وتأملات ومن بين أنماط هذا الإنتاج الإنساني الفلسفة
-
الاستدلال بقول إبن الصلاح الشهرزوري العنيف تجاه الفلسفة والمنطق (صفحة 83 ) وهو قول وصف الفلسفة ب ( أس السفه والانحلال ، ومادة الحيرة والضلال ، ومثار الزيغ والزندقة ، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين ، ومن تلبس بها قارنه الخذلان والحرمان ، واستحوذ عليه الشيطان ، وأظلم قلبه عن نبوة محمد “