*حازم شحادة
خاص ( ثقافات )
تغريني بعدَ منتصفِ الليل مراقبةُ النوافذ.
خلفَ كلِّ واحدةٍ منها حكاياتٌ وقصص.
أطالعُ في البناياتِ المقابلة لشقتي عشرات النوافذ.
تلك التي تدخلكَ إلى المطبخ، أخرى تولجكَ إلى صالون المنزل..
أجملُ النوافذ تلك المصاحبة لغرف النوم لكنها مغطاةٌ بستائر.
كلَّ مساء، عندما يكونُ الطقس مواتياً، أطلُّ من شرفتي على هذه النوافذ وأنا أشربُ المتة وأدخن السجائر.
نافذةٌ كبيرة واحدة لم أرها مضاءة مذ سكنت هنا ودائماً تكون معتمة.. باردة.. لا حياة فيها بينما بقية النوافذ تشعُّ منها الأضواءُ سواء أكانت مغطاة بستائر أو لا..
في أحدى الأمسيات وكنت عائداً من سهرة مع بعض الأصدقاء..
وبعد أن أخذت حماماً سريعاً خرجتُ إلى الشرفة كي أدخن سيجارة فشدّ انتباهي النور القادم من تلك النافذة المهجورة.
يظهر من خلالها سرير واسعٌ، طاولة صغيرة إلى جانبه، في الزاوية خزانة ملابس وعلى السرير يوجد كومبيوتر محمول مع سماعة أذنين.
ما هي إلا دقيقة أو اثنتان حتى تقدمت من السرير فتاة ترتدي سروالاً حريرياً قصيراً وما يشبه القميص الداخلي.
راقبتها وهي تجلسُ على السرير واضعةَ السماعات في أذنيها ثم راحت تتحدث.
ـ ظهر الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا..
قلت لنفسي و بلمح البصر أطفأت أضوية الشقة كلها.
سخنت أبريق الماء.
جهزت كأس المتة.
وجلست أراقب.
ـ يا سلام..
لا بد أن نيتي كانت صافية حتى أرسل الله لي هذه الجارة.
ها هي تجلس شبه عارية على سريرها وتتحدث إلى أحدهم على النت لكنني طردت الفكرة من رأسي.
ما دخل الله ونواياي الصادقة في هذا؟
لو أن الأمر كذلك لكان عندي قبيلة أطفال من السيدة الفاضلة مونيكا بيللوتشي.
فجأة..
خلعت الفتاة القميص الداخلي..
خلعت حمالة نهديها..
ثم اعتدلت أمام شاشة ( الكومبيوتر) وراحت تداعب جسدها.
خرج الدخان من أذنيّ كما يخرج من مدخنة قطار بخاري.
هل حقاً هذا يحدث أمامي في بثٍّ حي ومباشر أم أن في الأمر خيال؟
بهدوء وغواية أدخلت يدها تحت ( سروالها) وبدأت تفرك عضوها..
بعد ربع ساعة أطفأت نور الغرفة ونامت.
مددت رأسي لأتأكد إن كنت الوحيد الذي تابع هذا الفيلم الحماسي من سكان العمارة فلم أجد أحداً..
حمدت الله ودخلت لأنام.
هكذا..
صار عندي موعد مع هذه الجارة العزيزة كل يوم بعد منتصف الليل.
أنا أجلس على الشرفة وهي تتعرى أمامي وتمارس عادتها السرية ( ليس بالنسبة لي على الأقل)..
لا أنكر أنني فكرتُ أن أنتظرها عندما تخرج نهاراً ولكن ماذا سأقول لها؟
ـ مرحباً عزيزتي..
أنا جارك الذي يراك يومياً تداعبين جسدك.
اسمحي لي أن أقدم خدماتي في تحمل هذا العناء عنك.
سيكون من الحماقة أن أكشف نفسي لها بأي شكل كان.
ــ ماذا لو لم تكن عاهرة؟
ماذا لو أن الشخص الذي تتعرى أمامه على شاشة الكومبيوتر حبيبها في بلدها المغتربة عنه؟
ماذا سأستفيد أنا؟
بالتأكيد لا شيء سوى انتهاء عرض الفيلم وتنبيهها إلى أن زجاج النافذة المخفي ينفع فقط في النهار أما مساء فلا بد من الستارة وهكذا ستضع ستارة وأخسر أنا.
ـ حافظ على الوضع كما هو عليه أيها الأبله..
ـ قلت لنفسي ـ
حتى أنني كنت أحياناً استمع لعبد الحليم وهي تمارسُ نشاطها الشهي..
وأحياناً لأم كلثوم.
مرة كنت أستمع إلى هاني شاكر وصادف نشوتها مقطع من أغنية يقول فيها..
( مش أنا.. مش أنا..)
ورحت أردد وراءه بينما كنت أراقبها…
ـ مش أنا.. مش أنا.. هوَّ اللي اختار…
بعد أقل من شهر..
وكنتُ قد جهزتُ ( القعدة) وعدة المتة مع السجائر تجاوزت الساعة الواحدة ليلاً ولم تظهر جارتي العزيزة..
ثم تجاوزت الساعة الثانية ولم تظهر..
الثالثة ولم تظهر.
قلت:
ـ الغايب عذره معه
في اليوم الذي تلاه.. لم تظهر..
وفي اليوم الذي بعده.. لم تظهر…
تأكدت حينها أنها غادرت شقتها…
وداعاً يا جارتي العزيزة
صنيعكِ هذا لن أنساه ما حييت..
أن تشاهد امرأة مثيرة على طبيعتها تمنحُ الجمال لكل شيء حولها فقط لأنها تمارس أنوثتها.
يا له من أمر عظيم..
بعد منتصف الليل..
رجعت للجلوس على شرفتي أدخن السجائر بنهمٍ وكسلٍ.. لكن..
لا ضوء يأتي من تلك النافذة المقابلة..
عادت كما كانت..
نافذة باردة.
___
*شاعر وكاتب قصة قصيرة من سوريا