نماذج من التضمين السردي في رواية صحراوية


*بوزيد الغلى


خاص ( ثقافات )
يرى بعض النقاد أن الرواية ذات طبيعة توفيقية ، , Syncrétique وتتمتع بالقدرة على صهر المشتَّت والمفرّ ق والمتناقض في بوتقة واحدة ، و لقد جمعت رواية الأطروحة roman à thèse التي كتبها بلغة موليير الكاتب المامي ولد الصديق تحت عنوان : 
Tekna ( Témoignages historiques, nomadisme, esclavage, mode de vie et mœurs)
عددا غير يسير من القصص والحكايات التي شهدها أو شارك في صناعة أحداثها ، ومن اللافت للانتباه أنه استطاع صهر كل تلك القصص في بوتقة نصه المتماسك دون تعسف أو تكلف ، وذلك بتوسله بالتضمين السردي الذي يعني حسب معجم نقد مصطلحات الرواية للناقد لطيف زيتوني : ” إقحام حكاية داخل حكاية أخرى (…) ” ، وذلك من أجل غايات تفسيرية تمكن من كشف الأسباب التي تقف خلف سلوك الشخصيات أو خلف الحوادث ، أو برهانية تقدم مثالا واقعيا على فكرة مطروحة ، ففي سياق نقله سرديا رحيل قوات الاستعمار الفرنسي عن مدينة كلميم جنوب المغرب ، أورد الناصّ حادثة إحراق متجر مخصص لبيع التبغ منبهاً القارئ إلى أن السجائر ظلت طيلة فترة الاحتلال محل مقاطعة معلنة من السكان ، الأمر الذي يفسر سبب الاحراق الناشئ عن الاشتباه بعمالة صاحب المحل للاحتلال . وذاك ما سيستبين عندما يضمّن الكاتب حادث مقتل التاجر إثر طلْق ناري طائش ومجهول ، و استنكاف الناس عن السير في جنازته ! . وضميمة إلى قصة إحراق المحل ضمّن الكاتب قصة أخرى لا تقل أهمية من حيث دلالتها البرهانية على سوء نية الاحتلال ، تتمثل في إقدام أحد الضباط الفرنسيين على إحراق ” الأرشيف” على مرأى و معاينة ممن تسلم منه مفاتيح الادارة من سلطات البلدة المحلية ، إذ خاطبهم قائلا : ” لا حاجة لكم بهذه الأوراق و المستندات ، من الأفضل أن تبدؤوا عملكم الاداري من الصفر !.
و لعل أنصع مثال للتضمين السردي في رواية المامي ولد الصديق السيرذاتية دسّه بين ثنايا قصة يتمه بعد رحيل أمه في وباءٍ مهلك مُبير ، و كفالة جدته التي أنقذته من مخالب الضياع بعد زواجه أبيه بامرأة سليطة اللسان يابسة الجَنان ، قصةَ ” رمضان” الفتى الاسود ضحية الاسترقاق الذي اقتلع من جذوره و ترك نهباً للضياع بعد أن أضلته القافلة في الصحراء إثر هبوب ريح “حمراء” ، فألقته الأقدار في كنف أهل ” القصبة” الذين تنافسوا على رعايته وكفالته إلى أن قادته رجلاه إلى ” الحامية الفرنسية ” ،حيث أغرى التبجح بالقوة و العتوّ كبير الكتيبة بتمريغ كرامته في التراب ، إذ ضربه على حين غفلة دون ذنب اقترفه ، كي يسخر منه ، و يزرع المهابة منه في قلوب جنده ، فوكزه الفتى الأسود وأوقعه أرضا … وهُرع إلى المكان رئيس الحامية ، و شهد الجنود على صاحبهم بما فعل ، و أنقذوا الفتى من عقاب وبيل ، فلم يجرأ الرئيس على معاقبته ، وإنما كافأه بالعمل طباخاً ثم سائقا حتى انكشف تعاطفه مع بعض ” السجناء المقاومين ” ، فأوقف عن العمل ، ومضى يضرب في مناكب الأرض باحثا عن عمل بعد أن شغفته حبّا فتاة عربية بيضاء لا شيّة فيها ، طلب يدها من أهلها ، فأبوا لما رأوا من شدة سواده ، و ما كان من الفتاة إلا أن خالفتهم ، و تزوجته دون رضاهم ، و صارت ظّله الذي لا يفارقه إلى أن اعتراها مرض شديد لم تتماثل منه للشفاء ، فألحت عليه أن ينكح غيرها كي تعينه على نوائب الدهر ، غير أنه أبى ! .
و مرّت سنون قليلة ، وجسم الفتاة الجميلة يذوي ، و قلب الرجل الصبور يذوب كمدا ، إلى أن فارقت الحياة مسندة رأسها على ذراعيه ، فانتابه سقم شديد أودى بحياته ذات سفرٍ …
تلك حكاية حب وفتوة لا يسوقها الكاتب لمجرد المتعة و إثارة رغبة المتلقي في استكمال قراءة السيرة الماتعة ، وإنما يوردها كي يدلل على أن الارادة تكسر قيود الصعاب ، فرغم قسوة اليتم و قلة الحيلة ، فإن رمضان الفتى المنبتّ من أصوله ، قد واصل الحياة كما استأنف المنفيون بجزيرة ” كالدونيا الجديدة ” حياتهم رغم أنف المستعمر الفرنسي الذي نفاهم من أرضهم و أبعدهم عن أهلهم !.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *