*سيومي خليل
خاص ( ثقافات )
بالأمْس ، وتَحديدَا حِينَ بَدأتْ عيناي تُّغمضان قَليلا ، انْتَحرت …
نعم …أَعرف أنَّك لنْ تُصدق هَذا الأمر ، فكيف لي أَنْ انتحر بِالأمس ، وأكتبَ اليَوم قِّصّة إنتحَاري ، لَكن لا تَنس أنَّك تُّشاهد فلما طويلاً يَحكي قِّصته شخص قّتل فِي بِدَاية الفِّلم ، وذَهبوا بِه إلى جبَّانة مُّعشوشبة ، وعزفُّوا عليه تَرنيمة حَزينة .
حينَ أقول لك قد انتحرت فَصدقني ،فَالنَّاس لاَ يكذبون في مثل هَذه الحَالات ، أبَدا لاَ يسْتطيع أحد أنْ يَكذب مُّتَباهيا ، ويَقول لك قد انتحرت ،كَأنَّه يَقول لك قد ضاجعت حببتي فِي مَّطبخنَا الدَّافئ، أبدا …أبدا ، لنْ تجد من يَقول هذا حتى وإنْ فَعلَه ،فَإن فَعله سَيكُون مَيتا لاَ محالة ،ولا تُّصدق كَثيرا أنَّ فُّلانا انْتحر ولم يَمت ، فهذه مجرد إثَارة لا غير ، فالانتحار يَعني المَّوت ،ولا تَّقل لي أنِّي لمْ أمت ، فَرغم أنِّي اكتُّب الآن ، ويمكنُّك أن تَراني بَعد قليل حاملاً سِيجارة فِي مَّقهى ما ، مُّتَأملا الفراغ ، والذي يُّصَادف أنْ تَكون به مؤخرات النِّسَاء ، مِّما يَجعلني لاَ أميز بين الفراغ ومُّؤخرة إمْرأة بَدينة لَم يَسبق لهَا أن حلَّت لعبة السودوكو إطلاقَا ، وسَتجدني كل صباح ذَاهبا لعملي بحَقيبتي الصَّغيرة ،أَمشي بطريقة كَأني أُسارع الوقت …رغم هذه الأَشياء فَلا تُّصدق أنِّي حي أبدَا ، ولتكن على يَقين أني انتحرت بالأَمس،هذَا الأمْس هُو أمس كل يوم ، وهُو أمس كلُّ صَباح ، فإن رأيتني اليوم فَهَذا يعني أني بالأمس قَد انتحرت ، وإنْ رَأيتني بَعد شهر من الآن فاعلَم أنَّ أمس ذَاك اليوم الذي رَأيتني فيه قد انتحرت فيه …وهَكذَا أَكُون قد انتحرتُ قبل مُّدّة.
مَا أَقوله لك هُو لاَ تصدق مَا ترى ، فإن رأيتني أَتحدث مثَلاً ، فاعلم إني لاَ أتحدث ،عَليك أنْ تُّفكر بنفس الطريقة التي تُّفكر فيها بالسَّراب ، فَأنت ترى واحة خَضراء نَّضرة لكنَّك تعتبرها مجَّرد وهم ، إذن لن يَغلب أنْ تَراني مُّنتحرا ومَيتا، وإن كُّنت أنط كَنسناس حقير قربك .
أكيد حينَ نَعرف أنَّ شَخصا قد انتحر ، نفكر في سؤالين اثنين ؛ لمَاذا ؟؟؟ وكَيف ؟؟؟
أه ….
أمَّا لمَاذا ؟؟
فأسباب الإنتحار تَجدها في الطُّرقات ، يُمكن أن تَعثر على سبب للإنْتحار في قمَامة الأزبَال ، وحينَ تريد أن تَشرب من صنبور صَدئ يمكن لسبب وَاضح للانتحار أنْ يَخرج منه ، ولا شَك أنَّك حين تبدأ بقراءة كتاب سَخيف يمكنك أن تجد سَببا للانتحَار ، والسياسة كُّلها أسباب عَظيمة للانتحار ، بالله عليك ألا يُّمكن أن تجد في ملامح تِّمساح مُّفسد سَببا للإنتحار ؟ وصدقني حينَ أُخبرك أنَّ بعض البشر هم سبب للانتحَار ، يكفي أن تعرف كيفَ يُّفكرون ، وكيف يحيكون المؤامرات ، وكيفَ يَنزلون سَّحَّابهم ليتبولوا ، وكيف يَتغوطون ككلاب شاردة ،لتكونَ علَى يقين بأن الانتحار هُو عمل نبيل جدا جدا .
أمَا كيف؟؟؟
فَهذا أمر جَديرٌ كي أذَّخن عليه سيجارة .
أتدري أن كلَّ من انتحر مَّشنوقا ، أو قَطع شرايين يديه النَّجسة ، أو شَرب أي سم زّعاف ، لَيس بمنتحر علَى الإطلاق ،وأقسم بالذي جَعل الإنتحَار أمرَا مُّمكنا ، أنَّه ليسَ بانتحار ، فَلا معنى اطلاقَا ليعلقَّ المَّرء نَفسه بحبل هَش ، أو أنْ يَأخذ دَواء الفئران مع الشاي البَّارد … هذا ليس بانتحار ، إنَّه لعب أطفال لا غير ، و كما تَقولون أيها العَاقلون أنَّه كفر ، وهروب ، وجُّبن ، وغيرها من المُّصطلحات ، لكن لاَ تنسى أنِّي لستُ بعَاقل مثلكم ، أنَا عاقل لكني لست مثَلكم ، وهذا موضوع آخر يُّمكننَا أن نُّحدد له موعدا للنَّقَاش ، وسَيأتي صديقي نيتشَه مَعي .
إن أحسن طريقَة للانتحَار هي أنْ لا تَفعل شَيئا …
نعم … نَعم …
لاَ تستغرب ، فَقد رأيت أن استغرابَك قَد كثر ، ويُمكنني إنْ استغربَت مَّرة آخرى أن أقولَ لك َمثلما قال الخضر للنّبي موسى ؛ هَذا فراقُ ما بيننا … إذن تَريث وافهم ما يقُال ، أو اذهب عند رفيقتك التي يَتجاوز حجم ثَّديها الأيمن حجم الأيسر ؛ هل هي يَمينية بالمناسبة ؟؟؟ لا تُّجب… وتَعلم أن تصمت .
قلت إنْ أحسن طَريقة للانتحار أنْ لا تَفعل شَيئا .
وسأُضيف أيضَا :
أن لُا تَفعل شيئا وأنْ تَظل علَى الحياة وتَتشث بها بشكل كبير ، وبَدل أَن تَقطع شَريان يدك اليسرى لينز منه الدَّم سيلاً ،اقطع الأَمل من معقُولية الحياة ، ولا تفكر يَوما أنها سَتستقيم ، وتَشبت بهَا كَي تَموت دائما وأبدَا ، امسكها بَيديك الإثنثين كَأنَّك تُّمسك سيخَا حاميا ،تم عش لاَ غير .
بَدل أنْ تُّدلي حبْلاً قديمَا من سقف غرفتك الكئيبة ، لتَمُّوت بأثر سُّقوط السَّقف ، وليس بسبب الحبل ،لأن كل ما لدك مُّتَهَالك ، ادل أيَاما ، وأسابيع ، وشُّهورا ، وسنينا منْ سقف عُّمرك ، فكلما عشت أكثر ستنتحر أكثر ، هَذا إن كنت راغبا حقا في الانتحَار .
إن كنت رَاغبا حقا في الانْتحَار فعليك أن لاَ تَنتحر بل أن تَعيش ، ولا تَنْس أني أحدثك أنتَ الذي تشبهني ، فأنا لا أُوجه خطابي ، ونصَائحي الفجة ،إلى آخر يَسكن المَّالديف ، أو يَتجول في البراري النضرة ، أَو تُّطل شقته على الشمس ، بل أُخَاطب شخصا أفضل مَا فَعله في حَياته هُو أنَّه لَمْ يَعش ، ولم يسبق لَهُ أنْ غادر دماغه أَبعدَ من أمتَار قَليلة .
أحسن وسَيلة لتنتحر هي أن تَطلب من الله أن يُطيل في عُّمرك ، هيا اطلب من الله أن يُطيل عُّمرك مثلما أَفعل .
يا الله …
يَا واهب الخير
للبشر
كمَا للحجر
وأيضَا للشَّجر
أطل عُّمري .
دعك أيُّها الغَبي من كل وسائل الانتحَار الفَّجة والمضحكة ، وَتمنَّ أنْ تَعيش كَثيرا ، فكلما عشت أكثر كلمَّا سَألت أكثر ، وكلما لمْ تَجد جَوابا ، وكلما رأيت حيرَتك ، وضعفك ، وكُّلما رَأيت أشخَاصا لاَ تُّحبهم ، وكلما أَحببت فَتاة لاَ تُّحبك إلاَّ لأن لك أيرَا طَويلا قَليلا ، وكلما أراد بكَ خَلق كَثير أن تُّصاب بسرطان البروستاتَا ، وأنْ تُّطرد من العمل ، وأن يَتَساقط شعرك بالكامل ،حتى شعر عانتك ….
كَّرر مَعي الدّعاء
كَّرره كَثيرا
كي تَنتحر كُّل أَمس
وكَي تَنتحر قَبل مدَّة .