الأنا الآخر


*ماريو بينيديتي/ ترجمة: عبد الخالق مفكير


خاص ( ثقافات )
يتعلق الأمر بفتى عادي: تشكلت عصابات للركبة في سرواله، كان يقرأ القصص، ويصدر صوتا خلال الأكل، ويدخل أصابعه في جوف أنفه، ويشخر أثناء النوم، كان اسمه أرماندو كوريينتي “العادي” في أي أمر، إلا في أمر واحد: كان له أنا آخر.
كان الأنا الآخر يضفي نوعا من الشعر على نظراته، ويسقط في غرام الممثلات، ويكذب بحذر، ويتأثر من مشهد مغيب الشمس. كان الفتى يقلق كثيرا من الأنا الآخر، الذي كان يشعره بالإحراج أمام أصدقائه. ومن جهة أخرى، كان الأنا الآخر مكتئبا، لذلك، لم يكن في وسع أرماندو أن يكون عاميا كما كانت رغبته.
وذات مساء، قفل أرماندو راجعا إلى البيت متعبا بعد يوم من العمل، نزع حذاءه وحرك أصابع رجليه ببطء ثم شغل المذياع. كانت الإذاعة تبث روائع موتسارت، لكن الفتى استسلم للنوم. وعندما استيقظ وجد الأنا الآخر يبكي بحرقة. في الوهلة الأولى، لم يدر الفتى ماذا يفعل، لكنه عاد ليمسك بزمام الموقف بعد قليل، وأخذ يسب بحزم الأنا الآخر. هذا الأخير لم ينبس ببنت شفة، غير أنه انتحر في الصباح التالي.
في البداية، شكل موت الأنا الآخر ضربة قوية لأرماندو المسكين، لكنه سرعان ما فكر في أنه باستطاعته الآن أن يكون عاميا بشكل كامل. وكانت هذه الفكرة كفيلة بمواساته.
مضت خمسة أيام فقط من فترة الحداد، عندما خرج إلى الشارع عازما على إظهار عاميته الجديدة والكاملة. ورأى من بعيد أصدقاءه مقتربين. غمره ذلك سعادة لينفجر مقهقها على الفور.
مع ذلك، مر به أصدقاءه من دون أن ينتبهوا لوجوده. وما زاد الطين بلة أن تناهى إلى سمعه قولهم: ” يا له من مسكين أرماندو. يظن أنه ما زال يبدو قويا وسليما”.
لم يسع الفتى إلا أن يتوقف عن الضحك، حينئذ، شعر باختناق في أعلى صدره، بدا مثل الحنين تقريبا. إلا أنه لم يكن في وسعه الشعور بحزن أصلي، لأن الحزن كله أخذه الأنا الآخر معه.
____________
Mario Benedetti شاعر وقاص وروائي وكاتب مسرحي أوروغواياني (1920 – 2009) عرفه قرّاء العربية بشكل خاص من خلال روايته “الهدنة”. 

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *