*محمد إبراهيم الهاشمي
خاص ( ثقافات )
كان ممددا على سريره الفردي، في شقته الصغيرة ((حجرة ، صالة ، مطبخ صغير ، وحمَّام أصغر)) عندما طرق باب الشقة… نهض من مكانه ليفتح الباب، وهو في حالة من اللاشعور، لا يفكر بشيء، ولا يشعر بشيء. فتح الباب.. وتملَّكته الغبطة لرؤيتها.. عاد البريق إلى عينيه.. والنبض إلى قلبه.. قبَّلته على خديه ودخلت – هي في الثانية والعشرين، وهو يكبرها بعامين – وضعت حقيبتها على الطاولة الموجودة بالصالة، واتجهت للمطبخ وهي تقول: “سأعد قهوة.. هل تريد.. بالتأكيد تريد”… رد هو “فنجان قهوة وأنت مجتمعان.. أنها منتهى السعادة.. ولكن دعيني أعدها أنا”.
كان يحب أن يعد القهوة بنفسه، إذا ما زاره شخص عزيز على قلبه ويحبه. “لا.. سأعدُّها أنا، فأنا أحب خدمتك”…
ابتسم لها.. وجلس على أحد الكراسي الثلاثة بالصالة، وأخذ يتأملها وهي تعد القهوة. لقد حفظ كل تفاصيل جسدها من كثرة ما تأمله.. وكل مرة يتأمله.. كان يتأمله بنفس اللهفة.. كأنه يراه لأول مرة.. كأنه يبحث عن شيء جديد بين زواياه…
التفتت إليه.. فوجدته منهمكا في تأملها.. هزت برأسها يمينا ويسارا، وهي تبتسم.. أعادته حركة رأسها إلى العالم الواقعي.. وأول ما وقع عليه نظره، كانت ابتسامتها.. فابتسم… لاحظ انفعالها وتشنجها…
– لما أنت مستاءة.. ما الذي أغضبك.
– أحد الطلاب الذين يدرسون معي بالكلية.
كان يتناقش مع بعض الطلبة الآخرين، وكان يتحدث عن المرأة، أنها ناقصة عقل ودين.. وأنها خلقت من ضلع أعوج.. لن يستقيم، وإن حاولت جعله مستقيما كسرته.. وتستطرد:
– لقد أغضبني كلامه كثيرا.. هل حقا قال سيدنا محمد ذلك.
– لقد حكيتِ لي ذات يوم عن جارتكم المتوفَى زوجها.
– العمة سليمة.. ما بها.
– هل امرأة يتوفى زوجها، ويترك لها أربعة أبناء صغار.. تقوم بإعالتهم، وتربيتهم، وعلاج من يمرض منهم، لوحدها.. ناقصة عقل ودين
– لا.. بالتأكيد لا.
– إن الرجل لا يستطيع العناية بعائلة لوحده، لكن المرأة تستطيع.. المرأة أقوى يا عزيزتي.
– حبيبي ما أجملك.
سكبت القهوة واتجهت للصالة…
– تفضل يا حبيبي.
– شكرا.
وهو يتناول فنجانه “هل فكرتِ لما يقال أَنَّ المرأة خلقت من ضلع”… ويقوم من مكانه ليشغل بعض الموسيقى…
– لا.. لم أفكر.
– لأنكِ كما قال زميلك.. ناقصة عقل.
– وهي تضحك: “ناقصة عينك”…
وعاد ليجلس بجانبها…
– كم أحب هذه الأغنية
– وأنا أيضا يا عزيزتي.
“أغنية يا حبيبي لهبة طوجي”
هو: خلقت المرأة من ضلع.. لأن الضلع أقرب شيء للقلب، وهوما يحمي جميع الأعضاء الحيوية بالجسم.. لأنَّ الضلع موجود.. يستطيع الإنسان مقاومة الضربات التي يتلقاها.. بدون الضلع سيموت الإنسان بعد أول ضربة وصدمة يتلقاها.. بدون الضلع ((المرأة)) لا يستطيع الإنسان المقاومة.. بدونكِ يا ضلعي.. لا أستطيع المقاومة. ويبتسم…
هي: “آه منك.. لم أعد أريد القهوة.. أريد أن أقبِّلك”. ويغرق الاثنان في بحر من القبلات، بطعم القهوة.
_______
*ليبيا المستقبل