رولا خرسا*
اجتمعت بعض السيدات لدراسة سفر ملاخى من الكتاب المقدس، وعندما وصلن إلى الآية الثالثة من السفر الثالث:
«فَيَجْلِسُ مُمَحِّصاً وَمُنَقِّياً لِلْفِضَّةِ» تأملت السيدات ماذا يمكن أن يعرفن عن صفات الله من تلك الآية، فتبرعت إحداهن بأن تبحث في عملية تنقية وتصفية الفضة على أن ترجع لزميلاتها الأسبوع المقبل بما وجدته، واتصلت بأحد صيّاغ الفضة واتفقت معه أن تشاهده وهو ينقي الفضة دون أن تذكر سببا سوي أنها تريد معرفة الطريقة، وبينما هي تراقبه أخذ الصائغ قطعة فضة ووضعها في وسط النار للتسخين وقال لها:
– ينبغي أن أضع الفضة في أكثر نقاط اللهب سخونة وذلك لحرق الشوائب.
وفكرت السيدة… إن الله يضعنا أينما كان اللهب أكثر سخونة، ثم تذكرت الآية فسألت الرجل:
-هل يجب أن تجلس أمام النار وأنت تنقي الفضة؟
فأجاب:
– ليس فقط أن أمسك بالفضة بل يجب أن أراقبها جيدا طوال الوقت لأنها لو بقيت دقيقة واحدة زائدة في النار فإنها تفسد.
سكتت للحظة ثم سألته:
– وكيف تعرف أن الفضة قد تنقت تماماً؟
فابتسم الصائغ وأجابها:
– هذا سهل.. عندما أري صورتي فيها.
حكاية رواها لي صديق عزيز تعودت أنا وهو مناقشة الكثير من الأمور، وفي كل مرة أذكر آية من القرآن يقول لي آية مشابهة من الإنجيل، لنؤكد كل مرة حقيقة أن الله ربنا جميعا.. هذه الحكاية تشبه علاقتنا بربنا بشكل كبير.. نحن العملة الفضة التي توضع في النار والنار فسرها كما تشاء.. نار طموحاتنا، نار مخاوفنا، نار تجاربنا الحياتية، نار شهواتنا، نار إحباطاتنا، نار أوجاعنا.. تتنازعنا الدنيا بكل ما فيها وَيَا لسعادة من زهد فيها.. ولكن لنعترف أن في الدنيا الكثير مما يستحق العيش له.. ومن ينكر أن الدنيا مليئة بالمتع كاذب مدع ولكن بعض المتع بريئة وبعض المتع تغرينا وتجرنا وندفع ثمنها غاليا.. «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» (185) من سورة آل عمران.. وفي هذه الآية اختصار للمتع التي تغري الإنسان فيدفع ثمنها لاحقا. ورأيي أن المتع التي تبعدنا عن أنفسنا، عن نقاء روحنا، هي المتع الخاطئة.
ليس مهمتي أن أحدد من يذهب للجنة أو النار ولا أن أقوم بوضع جدول منقسم لجزأين؛ جنة ونار، ولكن اعتقادي في تفسير المتع متصل بالروح.. فالمتعة التي ترقي بروحك متعة توصلك للجنة واختر جنتك على الأرض أو في السماء، والمتعة التي تلوث روحك تأخذك للنار واختر جحيمك على الأرض أو في السماء.. المهم أن نيران الحياة تحرقنا والله سبحانه يراقبنا ويمد يده قبل أن نحترق.. الله لا يحملنا ما لا طاقة لنا به. يعلم بالضبط إمكانيات كل واحد منا وقدراته.. والنيران ليست دوما للأذى أو للعقاب.. النيران أيضاً تطهر.. ولو رجعنا في التاريخ لوجدنا شعوبا تقدس النار، وعبادة النيران بدأت مبكرة جداً إذ يعتقد بعض المؤرخين أن قابيل عندما قتل أخاه هابيل فر إلى اليمن خوفا من أبيه آدم وقرر عبادة النار بعدما رأي النيران تأكل قربان هابيل، فاعتقد أن هذا حدث لأنه يعبدها.. شعوب كثيرة تعبد النيران منها من يلقي أشخاصا بها ومنها من يحرم ذلك.. الكل يبحث عن ربه بشكل أو بآخر.. ولكن الله واحد أحد.. نحن عملة الفضة التي تنكوي بالنيران ولكي نصل إلى الشكل الصحيح الذي يجب أن نكون عليه لا بد أن نأخذ من صفات خالقنا سبحانه.. كلما تحلينا بها اقتربنا من السكينة.. كانت صورتنا أجمل.. جنتك وجحيمك على الأرض قبل السماء.
* المصري اليوم.