رسالة إلى وزير الثقافة الفلسطيني



*محمود جودة


خاص ( ثقافات )
حضرة صاحب المعالي الدكتور إيهاب بسيسو وزير الثقافة الفلسطيني
وزير الثقافة أيها الشاعر الجميل أعلم ما يجول في خاطرك، وما تتحرك به مشاعرك، فأصعب المصاعب على النفس أن تُرجم ممن يدافع عنها، ويتمنى لها الرقي والتقدم، وما عاذ الله أن يكون نشري لهذه الرسالة على العلن دعاية لنفسي، فما أطمع بأن أكون معروفًا لديك إلا لكي أوصل لك ما يدور على الأرض، وما تنشغل به نفوس المتأملين ها هنا في هذا السجن المقيت المُسمى غزة.
لقد وصلك، وسيصلك ما يُكتب عن معرض الكتاب برام الله، وعن الحاضرين الكرام من أهل غزة، وأرجو أن يتسع صدرك أكثر وأكثر، وأن تملأ شدقيك تلك الابتسامة التي كانت تُزين مُحيّاك وأنت تستقبل وفد غزة، فإنها كانت دلالة كبيرة على فرحك بما أثمر جهدك، وفخرك بأبناء مدينتك، وأنت تباهي بهم أمام الجمع، رام الله لنا، وغزة لنا، ولا مجال هنا للفصل، كلنا أبناء بلد واحد، ووجع واحد.
أرجوك، وما قلناها لأحد قبلك، أرجوك أن يتسع صدرك أكثر فأكثر، فالشباب هنا في غزة مطمورين مسحوقين، لا أفق أمامهم سوى رام الله، وما الحنق الحاصل إلا تفريغًا للنفس عن آهات كثيرة، وأوجاع كبيرة، وآمالٍ معلقةٍ فيكَ بأن تكونَ لهم الخلاص.
خُذ في جانبك، وابتسم، فالكل هنا يبعث لكَ بالتحيّة، والأماني الطيبة بالتوفيق، فكل من لامَكَ قال فيكَ الكلام الحسن، ويظن بكَ حُسن النوايا، ويعتقدُ بأنكَ ستملأ الفراغ الحاصل بالحياة الأدبية في القطر الفلسطيني كله.
لا ننكر أن الطريقة التي حصل بها اختيار الأسماء قد جانبت الصواب، وما أجهلني لو اعتقدت بأننا لا نرتكب الخطأ، ولكن متى سَلِمَتْ أعمالُ الرجالِ مِن الخطأ، وهل يَدّعي العصمة إلا أهل الغفلة والحمُق والخبال، ما يهم هو أن تخرج الأيام الثقافية العظيمة بالمستوى الذي نفخر به، وما دون ذلك له جلساته، ومناقشاته، واستدراك الخطأ.
أصدقائي الكُتاب والفنانين وأهل الثقافة، أرجو أن يتسع صدركم أكثر، وأن نترفق في النقد ونكون أهلاً للمساندة حتى لو وقع علينا جورًا غير مقصود، فالقادم كما أعتقد أجمل، وسينال كل من العظام حقهم فيما يستحقون، وما معرض الكتاب إلا خطوة أولى، نحمد الله أنها عملت صدىً كبيرًا، لتكون جرس تنبيه لما سيحدث في المستقبل، وبما لِي عندكم من احترام وحب وصداقة، أناشدكم أن نكون معولَ بناء، وأن نشد على يد من هم في رام الله، كي يمثلونا خير تمثيل، وأن لا نكون معول هدمٍ في يد من يريد بغزة شرًا، وإن استشعرنا غير الذي قيل لنا، سأكون أول من يكتب كما فعلتها في السابق، سأفعلها في اللواحق، ومثلنا عند كلامه. 
سيدي الوزير أرجو أن تنال غزة قدرها على يديك، وأرجو أن تحتضن رام الله الكبيرة كل الراغبين بها من سكان غزة، وهم كثر، لا يتسع لهم فضاء رام الله على اتساعه، فالحب هنا كبير وكثيف، وزياد خداش شاهد من أهلها. إن أعظم المزايا التي يتحلى بها الأنسان هو اعترافه سرًا وعلانية بأنه انسان يخطئ ويُصيب وقد يشطح وينطح في كثير من الأحايين، وما أتخوفه اليوم وأنا أبعث لكم برسالتي إلا الفهم الخاطئ لها من قِبل أترابٍ وأصدقاء لي يُشاطرونني الحنق على ما حدث في اختيار الأسماء التي شاركت في معرض الكتاب، سيّما أني أول من كتب عن هذا، وللأسف لم تَلقوا له بالًا، أو رُبما استصغرتم رأينا، وها هي الأصوات بدأت تصدح بما قلناه سابقًا في الخفاء، أقول هذا الحديث وأشعر بأني لم أوفق كل التوفيق في تدبير الرسالة لأنها خلت خلوّا تامًا من الرياء، في وقت صار فيه الرياء سيد الأخلاق، وقد تغضب عليّ وأنت الوزير، وللوزراء عادة درجنا عليها في الخطابات، ولكنك لن تبقى في الوزارة أبد الدهر، وستعود حتمًا إلى حديقة الأدب والشعر، وستقرأ هذه الرسالة بروح الشاعر فتعرف أننا لم نكن من المسرفين.
وافر المحبة سعادة الوزير إيهاب بسيسو المحترم.

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *