الثقافة كانتصار


*زياد خداش

أربعة إنجازات ثقافية فلسطينية كبرى اخترقت أخيراً، المجال الثقافي العربي والعالمي تستحق الزهو والدهشة: اختيار لجنة تحكيم أهم جائزة عالمية للشعر (جائزة غريفين العالمية للشعر)، ديوان الشاعر الفلسطيني غسان زقطان «كطير من القش يتبعني»، وهي من ترجمة الشاعر والمترجم الفلسطيني المقيم في أميركا فادي جودة، ضمن القائمة القصيرة للجائزة، واقتراب الفنان الفلسطيني محمد عساف من لحظة الفوز بـ«عرب أيدل»، وحصوله على إعجاب وحب الملايين من العالم العربي، وهو القادم من غزة الجائعة والضائعة والمحاصرة بالفقر والفوضى والاحتلال، ولهذا دلالة كبرى تمتح من معجزة تمرد الإنسان الفلسطيني الذي تتعرض إنسانيته كل لحظة لمنهاج تحطيم مبرمج ومخطط له بعناية ودقة، وفوز فيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي في فرنسا. وفوز الفيلم الايطالي «سالفو»، الذي يقوم ببطولته الفنان الفلسطيني صالح بكري، ابن قرية البعنة في الجليل الأعلى، بجائزة النقاد في مهرجان كان الفرنسي.

أربعة إنجازات مدهشة في وقت واحد تبهج قلب الفلسطينيين المترع بالموت واليأس والجوع، وتؤكد البعد الثقافي في الصراع مع المحتل، ما قيمة صراعنا مع المحتل إذا لم نكن نعتقد أن الثقافة والإبداع هما أساس المشروع الثقافي الفلسطيني وبوصلة النضال الفلسطيني كله، من الرصاصة الأولى حتى المطبوعة الأخيرة أو الخطاب السياسي الأخير، حين نتذكر «ونحن لا ننسى بالطبع» أشعار محمود درويش في مرحلتيه: الأولى، حيث المقاومة المباشرة والتحريض والتمجيد، والثانية حيث العمق الفكري والتمدد المعرفي والرؤية الحضارية الإنسانية للصراع، فنحن لا نستطيع ألا نفكر في مدى القوة الوجودية والدافعية الإنسانية والجمال الأخلاقي والحيوية الروحية والعمق المعرفي، التي أضفتها أشعاره العظيمة على مدى عقود طويلة من الكتابة، على طبيعة صراعنا مع المحتلين القتلة، الرصاصة وحدها أو الهتاف وحده لن يحرر أرضاً، تحتاج فلسطين إلى فعل ثقافي مستمر يواكب أو يحفر أو يستفز فيها قدرتنا كبشر على أن نكون عاديين جداً حد الخطأ. لخّص لي مناضل فلسطيني مرة طبيعة الدور الذي لعبته أشعار الشعراء الفلسطينيين في روحه: الخطاب الوطني التاريخي يؤكد لي أحقيتي في فلسطين، الخطاب الأدبي الجمالي الشعري يعرّفني على إنسانيتي وحضاريتي وجمالي الوجودي.
في عواصم العالم الأوروبي يستغرب بعض الأوروبيين إبداعنا الثقاقي من مسرح وكتابة روائية وسينما وشعر ورقص معاصر، قيل لي كثيراً عن مواقف تحدث للفنانين والأدباء الفلسطينيين حين يزورون أوروبا بدعوات من مؤسسات أو مراكز ثقافية، منها مثلاً وقوف شخص أسترالي مذهولاً أمام معرض فن تشكيلي متقدم لشاب من غزة، وعبر الأسترالي عن اعتذاره للفنان الفلسطيني لأنه جاء إلى المعرض معتقداً أنه لفنان باكستاني، وأنه لم يسمع عن الفلسطينيين سوى أنهم مقاتلون أجلاف وقساة القلب يفجّرون أنفسهم في الناس انتحاراً، وهو الآن غيّر رأيه كلياً، إذ إنه يشاهد لوحات تشكيلية غاية
في العمق والجمال والإحساس الإنساني العميق.
محمد عسّاف وغسان زقطان وهاني أبوأسعد وصالح بكري: شكراً لكل هذا الفرح الذي أهديتموه إلى شعبكم الذي يفخر بكم.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *