رسالة


سارة عابدين*


خاص ( ثقافات )

الأطباء حولي مثل أعمدة إنارة تحيط بقطرة ماء صغيرة ملقاة على الطريق، أعمدة بلا وجوه أو أجساد، فقط ملابس زرقاء وكمامات تتحرك حولي بمقصات ومشارط لامعة.
أنت تعلم أنني أخاف دائماً كلما وقفت أمام المرآة من أن أفقد وجهي لتحمل رقبتي شعراً منكوشاً بلا وجه، وها أنت ترسل لي أطباء هكذا بلا وجوه أو أجساد.
أكتب اسمي ورقم هاتفي وعنواني على وجهي مع رسالة قصيرة أرجو فيها من يجد رأسي أن يرسله إلى العنوان المرفق.
مكرهة على الابتسام قبلت صغيرتي التي وضعتها أكمام المعطف الأزرق بالقرب من وجهي، الصداع لم تعجبه ابتسامتي المنهكة، أندفع من جديد من الثقب الصغير الذي صنعه الطبيب أسفل عمودي الفقري ليسافر داخل رأسي صارخاً فيّ لأنام من جديد حتى يستطيع العمل .

الصداع مرهق من محاولاتي المستمرة للتخلص منه، يبكي في ركن بعيد من رأسي لأن بعض وظائفه لم تعد تعمل؛ يبدأ من جديد في محاولات لشحن نفسه ذاتياً من الثقب الصغير أسفل عمودي الفقري، الثقب الذي نسي الطبيب ..آه ، أقصد الذي نسي المعطف المتحرك أن يغلقه.
المخدر يثقل ساقي والمعاطف والكمامات ما زالت تتحرك أمامي، يدي لا تقوى على تحسس وجهي الذي أشعر أنني أفقده.

الحليب يتدفق من صدري ليرسم خرائط متداخلة على ملابس المستشفى الزرقاء ليجعلها أكثر حميمية، يرسم لي وجوهاً متعددة أختار منها ما أريد، يغلق الثقب أسفل عمودي الفقري ليحبس الصداع داخل مصباحه القديم.

الحليب يتبخر في هواء الغرفة لينحت وجوهاً ملائكية لهؤلاء الأطباء الشرسين، الحليب المتسرب من ثديي يعرفني أنك تعطيني فرصاً أخرى لأبني فراشاً افتراضياً من القبل الصغيرة لأرقد فيه دون ألم..
على كل حال منذ فترة طويلة لم أشكرك..
شكراً.

ـــــــ
قاصة مصرية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *