*غسان خروب
ما إن تذكر المخرج البريطاني كريستوفر نولان، فلا بد أن يتبادر للذهن فيلمه الأخير »انترستيلير« (Interstellar)، الذي أضحى واحداً من أفضل أفلام الفضاء، ليتساوى فيه مع فيلمي »2001: أوديسة الفضاء« لستانلي كوبريك، و»سولاريس« لتاركوفسكي، كما لا بد أن تمر في الذاكرة ثلاثيته »فارس الظلام«، الذي أعاد فيها صياغة شخصيتي »باتمان«، وعدوه »الجوكر« ومنحهما بعدهما السينمائي وتأثيرهما النفسي الخالص، وغيرها، من الأعمال التي أثبتت عبقرية نولان، الذي عاد أخيراً إلى الأرض بعد جولته في الفضاء، لأن يأخذنا في رحلة نحو الماضي، وتحديداً إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، من خلال فيلمه الجديد »دنكرت« (Dunkirk)، ليحكي فيه بعضاً من وقائع عملية إخلاء مدينة دنكرت الفرنسية التي تمت آنذاك، حيث سيعرض الفيلم خلال العام المقبل.
12 فيلماً هي كل ما يملكه نولان في قائمته حتى الآن، والتي مكنته من ترك بصمة قوية في تاريخ السينما العالمية، فمن خلال أفلامه تشعر بأنه أحد أولئك الذين تأثروا بألفريد هيتشكوك، وأورسون ويلز، وستانلي كوبريك، وريدلي سكوت، لتكشف لنا هذه القائمة عن مدى موهبة نولان وعبقريته، التي جمع فيها بين سحر السينما ومتعة المشاهدة، لتكون النتيجة أفلاماً عظيمة، بدءاً من فيلمه القصير (Tarantella) (1989)، وليس انتهاء بـ»انترستيلر«.
بداية نولان في السينما لم تكن مع دخوله الجامعة، وإنما تعود إلى سن السابعة، حيث اعتاد مع أخيه جوناثان صنع أفلام »وهمية« كونها واحدة من ألعاب الطفولة، إلا أن تلك اللعبة ظلت ترافقه حتى اللحظة.
وبداية نولان الحقيقية كانت مع فيلم (Following) الذي عرضه في مهرجانات سينمائية عدة، ونال عنه جوائز جيدة، ليشكل نجاح الفيلم حافزاً له للبدء بخطوته الثانية، والتي ترجمها بفيلم (Memento) (2000)، الذي اقتبسه نولان عن قصة لأخيه جوناثان حملت عنوان »تذكر أنك ستموت«، فقد تميز أسلوب هذا الفيلم الذي وضع نولان على سلم الشهرة، بتركيبته الفنية الفريدة من حيث المعالجة والتصوير، ومعالجته لقضايا الذاكرة والحزن والانتقام، التي جسدها الممثل غاي بيرس بدور المحقق السابق »ليوناردو شيلبي«، حيث يتعرض لاعتداء يفقده ذاكرته القريبة (أو الحديثة)، الأمر الذي لا يساعده في تكوين أية ذكريات جديدة، ويحاول التغلب على ذلك باستخدام الملاحظات والصور.
عبقرية نولان بهذا الفيلم برزت عبر استخدامه طريقتين في السرد، الأولى بالأبيض والأسود كناية عن السرد الزمني الطبيعي، بينما استخدم الطريقة الثانية الملونة، للتسلسل العكسي للزمن، ليعبر بذلك عن رمزية الذاكرة القديمة ونظيرتها الحديثة، ليُدمج التسلسلين معاً في خط واحد، يشكل فيه ذروة الفيلم.
ثلاثية الفارس
العديد من النقاد يعتبرون أن »ثلاثية فارس الظلام« (The Dark Knight Trilogy) تعد من أفضل السلاسل السينمائية، التي قدمها نولان للسينما العالمية، فرغم أنها تدور في فلك الـ»سوبر هيروز«، فقد تمكن نولان فيها من إعادة صياغة شخصيتي بروس واين (الممثل كريستيان بيل)، وعدوه »الجوكر« (الممثل هيث ليدجر).
نولان في الثلاثية، التي ضمت أفلام (Batman Begins)، و(The Dark Knight)، و(The Dark Knight Rises)، وصدرت في 2005 و2008 و2012 على التوالي، حرر نفسه من قيود »الكوميكس«، ففي الوقت الذي قدم فيه نولان في الجزء الأول، فكرة عامة عن شخصية بروس واين نفسها، وبعضاً من تفاصيل حياته، ورحلته مع المجرمين والأسباب التي دفعته للتحول إلى شخصية »باتمان«، ورغبته بتحويل جوثام إلى »المدينة الفضلى«، بعد أن نخرها الفساد بالكامل، وصراعه مع »رأس الغول« وعلاقته مع »ألفريد« (الممثل مايكل كين) و»الملازم جوردن« (الممثل غاري اولد مان)، نجد أن الجزء الثاني من السلسلة (The Dark Knight) جاء أكثر عمقاً، لدرجة أن النقاد صنفوه على أنه من أفضل أفلام »باتمان« على الإطلاق، فمن خلال أحداثه نلمس طبيعة الصراع بين »باتمان«، وعدوه »الجوكر« (الممثل هيث ليدجر).
ولعل أكثر ما ميز الجزء الثاني تحديداً هو طبيعة شخصية »الجوكر«، التي أعاد نولان تصميمها بطريقة تختلف تماماً عن كتب الكوميكس، حيث استلهم شكلها من أول ظهور لها في 1940، إضافة إلى ظهورها في قصص أخرى. عملية تحوير الشخصية بكاملها، بحيث باتت مختلفة عما صورت عليه في كتب الكوميكس، أتاحت أمام نولان المجال لأن يقدم من خلالها نظرة فلسفية عميقة حول الشر الكامن في النفس البشرية، لذا نجد أن »الجوكر« اجتهد في إقناع هارفي دنت بأن العدل الحقيقي في العالم يقوم على »الحظ«.
ثلاثية نولان اكتملت في 2012 بتقديمه لفيلم (The Dark Knight Rises)، الذي من بعده اعتزل الممثل كريسيان بيل دور »باتمان« تماماً، متيحاً الفرصة أمام الممثل بن أفليك لأن يخوض غمار هذه الشخصية التي قدمها في فيلم »باتمان ضد سوبر مان«، الذي يعرض حالياً في صالات السينما. أحداث »بزوغ فارس الظلام« تدور بعد مرور 8 سنوات على الجزء الثاني، وقد شهدت مدينة جوثام انخفاضاً ملحوظاً في نسبة الجريمة، لتعود المدينة إلى سابق عهدها بعد تحرر »بين المقنع« (الممثل توم هاردي)، الذي يتواجه مع باتمان في معركة ضارية، كما شهد ظهور شخصية »كات وومن« وعلاقتها مع باتمان.
استهلال
عبقرية نولان السينمائية تجلت في أيقونته »استهلال« (Inception) (2010)، ففيه قدم وجبة دسمة من الأفكار الجديدة والغربية في الوقت نفسه، التي برزت في الدقائق الست الأولى من الفيلم، الذي يلعب بطولته ليوناردو دي كابريو، وتوم هاردي وجوزيف غوردن- ليفيت والين بيغ، التي وضع فيها نولان كل شيء في الفيلم، لدرجة أنه في حالة ضياعها قد لا تفهم شيئاً من الفيلم الذي استغرق نولان في كتابة قصته ما يقارب 8 سنوات.
لم يتميز هذا الفيلم فقط بأسلوب كتابة السيناريو والإخراج وعملية الطرح والمعالجة، بقدر ما تميز بفكرته الخيالية، حيث تدور حول شخص يعمل على سرقة وزراعة الأفكار عن طريق ولوجه لأحلام الشخص وسرقة أفكاره واستبدالها. وعلى الرغم من كونه فيلماً خيالياً إلا أن قوة الفكرة بدت في احتوائها على فلسفة عميقة حول تأثير الأفكار على شخصية الإنسان.
في المقابل، نجد أن نولان اقترب كثيراً من عالم السحر في فيلمه (The Prestige) (2006) الذي يلعب بطولته هيو جاكمان وكريستان بيل ومايكل كاين وسكارليت جوهانسن، ففيه يتتبع قصة الساحر روبرت أنجير ومنافسه ألفريد بوردن اللذين وجدا في العاصمة البريطانية لندن، نهاية القرن 19، ويبين الفيلم مدى الهوس، الذي يسكنهما في أعمال السحر والخداع، لدرجة تنافسهما على إيجاد الخدعة الأفضل، وهو ما يقودهما للوقوع في الخلافات. جمالية الفيلم الذي اقتبسه نولان عن رواية تحمل الاسم ذاته للكاتب كريستوفر بريست، تكمن في عملية التصوير، وصياغة أحداثه التي جاءت بشكل غير متوقع، الأمر الذي ساعده في كسب ود النقاد.
فيزياء
قوة فيلمه الأخير »انترسيتلير« (Interstellar) (2014) تكمن في قوة الأسئلة التي طرحها نولان في الفيلم، الذي لجأ فيه إلى الفيزيائي كيب ثورن لصنع نموذج يحاكي الثقوب السوداء، دون أن يكتفي بصنع أي نموذج تخيلي، بحثاً عن دقة علمية، فكان النموذج الذي عكف ثورن على بنائه مفتاحاً في دراسة الثقوب السوداء، ينشر عنها ثورن في ما بعد ورقة بحثية، بدأت من مساعدته لنولان.
ورغم أن الفيلم يدور في فلك الخيال العلمي، إلا أن المتابع له يشعر بمدى تأثره بالفيزياء وخاصة النظرية النسبية والفيزياء الفلكيّة، وهو ما دعا الكثير من العلماء لأن يعجبوا به، لا سيما أن الفيلم اعتمد على نظريات علمية صرفة، على عكس بقية أفلام الخيال العلمي، وقد يفسر ذلك سبب طول المدة، التي عكف فيها جوناثان، وكريستوفر على تطوير السيناريو، حيث بدآ فيه عام 2006.
2001
عرض فيلم Memento للمرة الأولى في مهرجان سندانس السينمائي
9
ملايين دولار تكلفة إنتاج فيلم Memento
185
مليون دولار ميزانية فيلم The Dark Knight الذي جاء رابع أفضل فيلم على لائحة IMDb
2
جائزتا أوسكار رشح لهما فيلم The Prestige وأنتج بتكلفة 40 مليون دولار
8
سنوات احتاجها نولان لكتابة سيناريو Inception وتطويره
47
مليون دولار جمعها Interstellar في ليلة افتتاحه بالولايات المتحدة الأميركية.
_____
*البيان
_____
*البيان