*إبراهيم اليعيشي
تعود مرة أخرى أضواء السينما لتنير الشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا الذي يتصادف حلول هذه السنة مع مرور ثمانين عاماً على إعدامه عام 1936. فثاني أفلام المخرجة الإسبانية باولا أورتيث (1979) الذي يحمل عنوان “الخطيبة” مستوحى من مسرحية “عرس الدم” للشاعر والكاتب المسرحي الإسباني. الفيلم من بطولة الثلاثي إينما كويستا “الخطيبة” وأسيير إتشيانديا “الخطيب” وأليكس غارثيا “الحبيب”. الفيلم تراجيديا عاطفية تحكي قصة هروب الخطيبة مع حبيبها ليوناردو تاركة الخطيب في ليلة زفافهما. الأخير بتحريض من أمّه يقتفي أثر الهاربين ليجدهما ويدخل في نزال مع ليوناردو ينتهي بمقتل الاثنين. من بين الشخصيات الثلاث الرئيسية للفيلم، ليوناردو هو الوحيد الذي يُعطى له اسم، وهذا منطقي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بطلة الفيلم هي الراوية المفترضة للقصة، لهذا فهي تردّد اسم ليوناردو لحبّها له بينما الخطيب لا اسم له في مخيلتها، في إشارة إلى عدم حبها له.
لا توجد في الفيلم إشارة إلى مكان تطوّر الأحداث، لكن نعرف من خلال الطبيعة القروية للمكان أن الأحداث تجري في قرية متوسطية. بعض الدارسين لأعمال لوركا وصلوا إلى أن قصة المسرحية واقعية جرت في عشرينيات القرن الماضي في قرية بإقليم ألميريا (العامرية)، جنوب إسبانيا، وقد قام لوركا بإدخال بعض التغييرات عليها، أما أحداث الفيلم فقد صوّرت في إقليم كبادوكيا في تركيا لتشابه المناخ هناك مع قرى جنوب إسبانيا.
أول ما يحسب للمخرجة الإسبانية الشابة جرأتها الكبيرة في إعطاء صورة في السينما لمسرحية لوركا، فترجمة كلمات وأسلوب شاعر مثل لوركا إلى صور ليست بالمهمة السهلة. 93 دقيقة فقط كانت كافية للمخرجة لتبرز ثالوث الحب والدم والصمت الذي يشكل مسرحية لوركا التراجيدية.
أي قارئ لنص لوركا قد يتساءل عن مصير المقاطع الشعرية الكثيرة التي تزخر بها مسرحية “عرس الدم” وكيف تعاملت المخرجة معها، وهذا منطقي، فشعر لوركا ليس من السهل إلقاؤه في فيلم، لكننا نجد أن تعامل المخرجة كان موفّقاً إلى حد كبير.
صحيح أنها استغنت عن بعض المقاطع، لكن المقاطع التي احتفظت بها كانت كافية لتبرهن بأن اللغة الشعرية ممكنة في السينما.
برأينا كانت اختيارات المخرجة موفّقة لأن المُشاهدِ لا يملّ من سماع تلك المقاطع الشعرية من ناحية لأنها مقاطع قصيرة ومن ناحية أخرى لأن المخرجة جعلتها تبدو وكأنها نثر من خلال طريقة إلقائها، محافظة بهذه الطريقة على شعر لوركا، والأكثر من هذا مقدمة إياه على أنه جزء من حديث العامة. تَبرزُ في الفيلم أيضاً كيفية تعامل المخرجة مع شخصية تحضر في النص المسرحي وهي العجوز/ الشبح التي تمثل الموت وتمثل المجتمع الإسباني المنغلق والمتشدد في عشرينيات القرن الماضي، إذ من ناحية تحرّض الخطيبة على الهروب وتحرّض الخطيب على قتل الحبيب. باولا أرتيث التي بدأت مسيرتها سنة 2011 بفيلم “من نافذتك إلى نافذتي”، ليست أول مخرجة تتناول أعمال لوركا، فقد سبقها إلى ذلك ماريو كاموس الذي حوّل مسرحية “بيت بِرناردا ألبا” إلى فيلم سينمائي سنة 1987. يشار إلى أن المخرج الإسباني لويس بونويل الذي كان أحد الأصدقاء المقرّبين للوركا كتب في يومياته أن الشاعر والمسرحي الغرناطي كانت له طموحات ليصبح مخرجاً سينمائياً غير أن الموت سرقه وهو ابن 38 عاماً ليحرمه من تحقيق حلمه.
___________
*العربي الجديد