أنا وغباء الذكاء الاصطناعي!
وكيف بدأت أجربه بعد تردد طويل؟
احسان فتحي
عندما برزت في الساحة الرقمية برامج ” الذكاء الاصطناعي” واصبحت شائعة فجأةً منذ 5 سنوات تقريبا، ترددت أنا شخصيا جدا باستعمال اي منها. في الحقيقة، كرهتها ونفرت منها وتمنيت ان يمنع استعمالها تماما، وشعرت بخطورتها الشديدة على مفهوم التعليم العالي في الجامعات خاصة بحكمي قد قضيت نصف عمري في التعليم الجامعي التقليدي ولم احب ابدا ما سماه الخبراء بتعليم (الاون لاين). شعرت بانني من النمط “القديم” الذي يفضل ان يرى استاذ المادة وهو يدخل القاعة بلحمه وشحمه وكرشه…وليس عبر شاشة وهو في الطرف الاخر من الكرة الارضية… واحسست بقرب تحكم الروبوتات فائقة القدرة بمستقبل البشرية الذي اصبح الان مجهولا ومهددا حتى بالفناء… حقا، أرعبني جدا ما قد يخبئه لنا المستقبل غير البعيد…

ومما عزز كرهي الشديد له هو قفز العديد من الاصدقاء في وسائل الاتصال الاجتماعي واستعمالهم المفرط لبرامج ال (AI) في احياء الصورالقديمة التالفة اوتجميل الاشخاص فيها، وعلى سكوتهم على كل هذه التشويه فيها، وحتى تزويراجزاء منها، او تغيير خلفيتها، او تلوينها بطريقة مزيفة مما قد يشكل خطرا على مصداقيتها التاريخية. بمعنى اخر، التلاعب بكل شىء بطرق حرة ومنفلتة دون وجود اي سلطة تراقبها وتحاسبها، او قوانين وانظمة تتحكم فيها لضبطها ومعاقبة المخالفين لها. كنت ” احس” باختلاف هذه الصور…هي لاتشبه الاشخاص تماما… هي مسلوبة ” الروح” ان صح هذا التعبير.
كنت يوميا ارى سيلا من الصورالملونة لاشخاص اعرفهم تماما، وبعضم قد توفي منذ عقود بعيدة، وقد جرى تزويقهم وتنميقهم بطريقة غريبة وحتى “مقرفة”… بعض الاموات اصبحوا يتحركون ويبتسمون ويرقصون بشكل انا اعتبره “مقزز” حتى لو كان متقنا وجيدا…ان التلاعب الرقمي بصور الاموات ينتهك حرمتهم. انهم يفكرون الان بانتاج افلام سينمائية طويلة كاملة وجديدة ببطولة ممثلين مشهورين متوفين منذ فترة… نفس (مارلين مونرو) مثلا بشكلها وحركاتها ونبرات صوتها المغري تماما! هل يستوجب الحصول على موافقة ورثة الشخص المتوفي في مثل هذه الحالة؟ وماذا اذا كان متوفيا منذ اكثر من 100 سنة؟ هناك الاف الاسئلة “الاخلاقية” والقانونية التي بدأت تطرح نفسها على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي… وهل من الضروري ان يخضع للتحكم ام لايخضع؟ وهل يكون هذا التحكم عالميا موحدا وملزما للجميع… ام تترك الامور لكل دولة؟ على أية حال، ان ثورة الذكاء الاصطناعي الخارقة جاءت هنا لتبقى…ولن تتمكن اي قوة في الكون ايقافها او التصدي لها… ولا ننسى ان البرامج المطروحة حاليا هي في أول عهدها وستعتبر بدائية بالتاكيد مقارنة مع مثيلاتها التي ستطور في السنوات القادمة القليلة.

من ناحيتي، قاومت بشراسة في البداية بيد انني لم استطع الصمود… ذات يوم اقنعت نفسي بان اجرب بعض البرامج المطروحة لكنني حددت استعمالي بشرطين… أولا هو الحصول على معلومات احتاجها اوترجمة لنص من كتابتي فقط… والثاني هو التعامل بشكل محدود جدا مع صور فوتوغرافية انا التقطتها لكي استطيع التحكم بها. هذان شرطان التزمت بهما تماما حتى الان…انا امشي خطواتي هذه بحذر شديد… لكني اعترف بمتعة انتظار النتيجة!

الحصول على معلومات معينة ( شرط ان تكون موجودة على الانترنت) كان سريعا جدا وممتازا لكنه لم يكن متكاملا, وكان ناقصا وغبيا احيانا اذا كانت المعلومات تخص العراق او العالم العربي. الترجمة من العربية الى الانجليزية وبالعكس كانت ممتازة وسريعة لكنها بحاجة دائما الى مراجعة وتنقيح. اما بالنسبة لمعالجة الصور الفوتوغرافية فكانت اغلب النتائج غيرمقنعة وغبية ورفضت اغلبها، لكني مع التجريب المتكرر وجدت افضل طريقة اخاطب بها، باللغة الانجليزية، مع برنامج ال (Chat GPT)، وركزت على فكرة تحويل صورالبورتريت التي التقطها انا فقط الى لوحات زيتية بعد فترة طويلة من التجريب والفشل استغرقت اسابيع…اعتقد ان البرنامج يفهم الان ماذا احبذ وماذا اكره!
جاءت النتائج لاباس بها، وحتى مبهرة احيانا، خاصة بعد صراعي المرير مع الذكاء الاصطناعي…وتبين انه ليس غبيا كما ظننت سابقا!
ماهو رأيكم بنتائج اللوحات الزيتية التي حولها من صوري الفوتوغرافية؟
ثقافات موقع عربي لنشر الآداب والفنون والفكر يهتم بالتوجه نحو ثقافة إيجابية تنويرية جديدة ..!


