طه زيادة*
يبدو أن هذه الصهاريج القديمة كانت تتبع أحد مصانع النسيج بمنطقة الفقار بغرناطة، وقد تم استخدامها كمقابر جماعية لمن يتم إعدامهم رمياً بالرصاص إثر اندلاع شرارة الحرب الأهلية عام 1936، بحسب ما أكده عالم الآثار والمؤرخ الإسباني الكبير ميجل كابايرو، لموقع إخباري إسباني.
ويقود كابايرو الأستاذ بجامعة غرناطة عملية التنقيب التي يجريها فريق بحثي من علماء الآثار منذ عام 2014، في مسقط رأس الشاعر الإسباني الكبير فيدريكو جارثيا لوركا، بالتعاون مع جامعات ثاراجوثا وبالنثيا وتوكومان ونوتنهام، من أجل العثور على رفاته.
وما يؤكد صحة الاكتشاف، وأن هذه الرفات تنتمي إلى شاعر الغجر بالفعل، العثور على رفات المدرس ديوسكورو جاليندو، ومساعدي مصارعة الثيران خواكين أركوياس وفرانثيسكو جالادي، الذين أعدموا رمياً بالرصاص مع لوركا في السابع عشر من أغسطس عام 1936.
ومن المقرر عقب تأكيدات الفريق الأثري الذي يضم علماء من مختلف الجنسيات، إجراء تحليل الحامض النووي لحفيدة جاليندو الذي أعدم بالرصاص ودفن إلى جوار لوركا.
وتعتبر عملية التنقيب التي أجراها فريق كابايرو استكمالاً للجهود الرامية للعثور على رفات لوركا منذ عام 2013، وتم تركيز الجهود في النهاية على منطقة الصهاريج والتي اعتبرت بعد المزيد من عمليات التنقيب المكان الأكثر ملاءمة للبحث مع تزايد التوقعات بالعثور على المزيد من الجثث التي تم إعدامها رميا بالرصاص في ذلك التوقيت.
لكن المنطقة بالرغم من ذلك كانت قد استبعدت بسبب التغييرات العمرانية التي طرأت عليها، حيث أنشئ بها ملعب كرة قدم ومضمار لسباق الدراجات النارية، وهو ما زاد من صعوبة المهمة. لكن القرار الحاسم اتخذ على ضوء ما أكدته الصور التاريخية الملتقطة من الجو والتي عثر عليها في قسم الأرشيف العسكري ببلدية مدينة أبيلا، مرجحة كفة الفرضية القائلة بوجود رفات لوركا ورفاقه في ذلك المكان. وتشير هذه الصور إلى أن المكان الذي نفدت فيه عمليات الإعدام والدفن الجماعي للجثث، استخدم خلال الحرب الأهلية كمعسكر تدريب للجنود. وتعزز هذه الفرضية أيضاً الصور المنشورة في المجلات عام 1937 لهذا المعسكر ويظهر فيها عدد من قيادات جيش فرانكو أمثال النقيب نستاريس والجنرال كييبو ديل يانو.
ومن هنا فتحت عملية التنقيب التي قادها البروفيسور كاباييروس مساراً جديداً للبحث في قضية دفن جثث الضحايا، تختلف تماماً عندما كان متبعا حتى ذلك الوقت، والتي من أشهرها نظريات إيان جيبسون، الذي يعد بحق مرجعية في مجال دراسات عملية اغتيال لوركا.
وقد توصل الفريق لهذا المسار بمساعدة الجنرال فرناندو نستاريس، نجل النقيب الذي رافق والجنرال كييبو ديل يانو. يذكر أنه في عام 1977 قام الجنرال بزيارة الموقع برفقة ثلاثة من الجنود الذين شاركوا في كتيبة إعدام لوركا، متخذا مسارا انطلق من أمام ضيعة البيبينو حتى سهول كوربيرا وهي مسافة تبعد عن الطريق بـ 25 مترا تقريبا، حيث تقع منطقة الصهاريج. وقد أوضح الجنرال لفريق البحث أن المنطقة المنشودة تقع بالتحديد على مسافة 40 مترا أخرى نحو الشرق من المكان المشار إليه في البداية».
ويؤكد فريق البحث أن رفات صاحب ديوان «شاعر في نيويورك» تم تحديد مكانه بالفعل وأن بعض العلماء اتجهوا الآن إلى بلدة بايدس في إقليم جوادالاخارا لطلب الحصول على تصريح بإجراء تحليل اختبار الحامض النووي لحفيدة ديوسكورو جاليندو، وهو إجراء قانوني ضروري تشترطه حكومة إقليم أندلوسيا لكي تصرح بإجراء عمليات التنقيب في المنطقة.
وقد تأكد موقع بث. إس (bez. es) الإخباري الإسباني أن اختبار الحامض النووي وطلب تجديد عمليات التنقيب سيتم تقديمهما غدا الجمعة إلى إدارة الذاكرة التاريخية بالحكومة المحلية لإقليم أندلوسيا، مرفق بهما التقرير النهائي حول نتائج الأبحاث التي أجريت منذ نوفمبر 2014، حتى مارس 2015، بمنطقة صهاريج الفقار بغرناطة حول المقابر الجماعية التي ترجع إلى حقبة الحرب الأهلية الإسبانية.
وترجع أهمية دور عائلة المدرس جاليندو في كشف رفات لوركا، في حال توجت جهود الفريق العالمي بالنجاح، إلى أن أسرة الشاعر الكبير كانت قد رفضت في أكثر من مناسبة مواصلة البحث عن رفاته. ومن المقرر أن يستعين علماء الآثار باختبارات الحامض النووي لأحفاد عدد من الضحايا الذين أعدموا مع لوركا في الـ17 من أغسطس، بعد شهر واحد من اندلاع شرارة الحرب الأهلية والتي استمرت لثلاث سنوات.
جدير بالذكر أن حكومة إقليم أندلوسيا دعمت فريق البحث بمبلغ 165 ألف يورو، تحت إشراف عالم الآثار خابيير نابارو تشويكا، بالرغم من ذلك تجاوزت نفقات البحث أكثر من هذا المبلغ بكثير. لكن عقب النتائج المبشرة التي توصل إليها الفريق، والتي يرجح بقوة أن تقود للوصول إلى رفات لوركا ورفاقه في المقبرة الجماعية، جاليندو واركوياس وجالادي، حصل الفريق على دعم من عدة مؤسسات وجامعات كبرى إسبانية وأجنبية بالإضافة إلى مؤسسات خاصة.
يقول محبو شاعر إسبانيا الكبير فدريكو جارثيا لوركا: «لقد ظلوا يفتشون عن رفاته لسنوات في مقبرة جماعية بينما كان لا يزال حيا طوال هذا الوقت في جميع مكتبات العالم».
* القاهرة.