* معتز محسن عزت
خاص ( ثقافات )
حينما سُئل الشاعر الشيلي الكبير (بابلو نيرودا) هذا السؤال:
لماذا تكتب باللون الأخضر؟
فرد نيرودا بنبرة الشاعر قائلاً:
لأنه لون يبعث بالأمل والتفاؤل والاستمرار في الحياة رغم كل المحن.
هكذا كان بابلو نيرودا عصفوراً مغرداً حتى وهو يئن من جراح معنوية تأتي من بشر لا يفقهون إلا في لغة الدماء والدسائس وبحس الشاعر وبحساسية المترنم كان بابلو نيرودا مؤازراً ومؤيداً للرئيس الشيلي المنتخب في العام 1970 ألسيلفادور ألليندي الطبيب الشيوعي الذي حمل في جعبته آمال شعبه ليحرره من التبعية الأمريكية.
كان نيرودا صوت ألليندي شعراً مروجاً لمشروعه القومي بتأميم مناجم الماس وحقول البترول لأهالي شيلي مع التركيز على المشاريع الوطنية لوقف التسلط الأمريكي في نخر عظام الوطن فكان ألليندي زعيم شيلي السياسي وصوتها الشعري والمدني كان نيرودا.
في ظل هذا الصراع الرهيب والقلق المستمر رغم كل هذا كان نيرودا يغرد شعراً ليأتي العام 1971 حاملاً في جعبته خبراً ساراً لزعيم شيلي الشعري بفوزه بجائزة نوبل للآداب وكان وقتها سفير شيلي بفرنسا، وعند تسلمه الجائزة في 10 ديسمبر من نفس العام قام بإلقاء خطبة نثرية تحمل فحوى الشعر في كلماتها وكأنه يعبر عن صعوبة المرحلة الوطنية في مجابهة الإمبريالية الأمريكية قائلاً:
(أيها السيدات والسادة إنني هنا من خلال هذا المنبر وأنا آتٍ من بلاد بعيدة في مكمن الجمال والحرية في السويد أقول لكم بكل ثقة إنني مستمر في كتابة الشعر، فمن أنهار الدماء ودماسة الظلام أستطيع أن أقرض الشعر، فمن رحم اليأس يولد الأمل من أبيات الشعر لكي تستمر الحياة).
هذا ما ترنم به نيرودا قولاً ليأتي الاختبار في مدى تطبيقه لهذا فعلاً يوم انقلاب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في العام 1973 على ألليندي لإيقاف مده القومي برعايته للانقلاب العسكري عبر الجنرال بيونشيه، وعند دخول الجيش الشيلي على ألليندي اختلفت الأقوال حول موته، ففي المراجع العربية قالوا إنه قُتل وفي المراجع الأجنبية قالوا عن انتحاره ولكن تعددت الأسباب والموت واحد.
في ظل هذا الانقلاب تألم نيرودا وكأن موعده مع القدر تزامن مع أللينيدي وهو يعاني سرطان البروستاتا وإذ به يفاجأ بدخول رجال بيونشيه بيته عنوةً وهم يسألونه:
أين الأسلحة التي تخبئها في منزلك؟
فرد عليهم نيرودا قائلاً بنبرة شاعر الحكماء:
لا أملك سلاحاً سوى الشعر!!
لم يتحمل الشاعر ذو القلب المرهف والحس الشاعري ما كان يحلم به في قصائده ليكون موت ألليندي سياسياً يتبعه موت نيرودا شعرياً ويتم تشييع جثمان نيرودا عبر الشعب الذي ترنم بكلماته حزناً وفرحاً وعند مواراته الثرى كان الشعب يردد باكياً أجمل قصائده ليظل الشاعر أخضر حتى في موته.
شاهد أيضاً
ليتني بعض ما يتمنى المدى
(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …