حدائق اللوز



*ميساء البشيتي

خاص ( ثقافات )

الشجاعة كنز أنا لا أمتلكه .. لم يخطر لي ببال أن أقتني كنزاً من هذا النوع .. لم تكن الشجاعة في بالي يوماً ..
كنت دائماً أسرع في الخطا وأوصد الباب خلفي بقوة خوفاً من أن يكون ظلّي لا يزال متشبثاً بذيل ثوبي .. خشيت أن يتبعني ظلّي .. ويلج إلى صومعتي .. ويفسد عليَّ خلوتي مع ذاتي ..
خشيت أنا من ظلّي .. فأسرعت الخطا .. وأوصدت الباب خلفي بقوة .. لأنه لم تكن الشجاعة في يومٍ تمرُّ لي ببال .
اليوم .. قبل يوم من الآن .. بعد يوم من الآن ..
لا يهم الزمان الآن ..
لم يعد يهم الزمن في شيء .. فقد قررت أن أهزم هذا الزمان المتربع على عرش عمري .. وأن أدلق كأساً من الشجاعة في جوفي .. وأمضي ..
أحضرت الفانوس السحري من حدائق أُغلقت أبوابها منذ آخر عاصفة هوجاء عصفت في سماء المدينة .. نظرت إلى الفانوس باستغراب .. كيف استطاع هذا الفانوس العجيب أن يبقى على قيد الحياة مع انعدام الأكسجين ؟!
نفضت أوراق الشيخوخة عنه بنفختين من قلبي .. ثم مددت إليه يدي ودعكت برفق ولين عنقه .. وسألته بخُبث طفولي .. هل تحضره إليَّ ؟
ثم أشحت بوجهي بعيداً عنه كي لا يلحظ تردد الحروف على شفتيِّ .. ولا يرى كيف لبست ملامح الخجل وجنتيَّ ..
كنت أدري أن الفانوس لا يردُّ لي طلب .. وكنت أدري أنك تعيش داخل هذا الفانوس .. وكنت أدري أنك حين دعكتُ عنق الفانوس برفق كنتَ تحاول الإمساك بيدي .. ومع ذلك قلت لا أدري ..
لا أدري ..
اليوم بعد أن أزهرت حدائق اللوز فجأة .. عدت للفانوس أسأله بخبث طفولي أيضاً .. هل يزّهرُ اللوز في فصل الشتاء .. هل للشتاء أن يحبل بغير المطر .. وهل ينجب الشتاء غير رجال الثلج ..
إذا فمن أين أتى كل هذا اللوز ؟!
كنت أدري أنك من أشعل حدائق اللوز فأزهرت .. كنت أدري أنك أنتَ من نفخ على عيون اللوز ربيعاً أخضرَ ففتّحت قبل الأوان ..
كنت أدري أنك أنتَ من قرأ تعاويذه على حدائق اللوز حتى أصبحت أشجارها تجيد الغناء على شرفات القلب .. فيطرب لغنائها قلبك .. وتقطف ما تشتهيه نفسك من حبات اللوز وتُهديني .. وأنا أدندن أغنية عتيقة
” تاكل ع إيدي اللوز والسكر ” ..
كنت أدري أنك أنتَ من أشعل حدائق اللوز .. ومن أرسلها إلى شرفات قلبي كي يقف الصباح على عتباتها طويلاً قبل أن يغادر.. وكي تغفو عيون القمر حين يغمرها السنا في قلب اللوز ولا تعاتب ..
كنت أدري .. لكنّي قلت له بخبث طفولي .. لا أدري كيف يشتعل اللوز ويزّهرُ في الشتاء ..
وأنتَ عن بعد ترمقني بنظرة ودودة .. تثني فيها على خبثي الطفولي .. وتقول لا بأس بكأس آخر من الشجاعة حتى تكتمل حدائق اللوز ..
وتكتمل القصائد ..
و” أكل ع إيدك اللوز والسكر ” .

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *