*عبد الرحيم التوراني
خاص ( ثقافات )
انبطح كل واحد منا على الأرض وتهيئنا للموت. كان موتا جماعيا رهيبا. هناك من تمدد، وهناك من تكوم على نفسه. هناك من جحظت عيناه، ومنا من أسبلها. من يده ممدودة ومن غلها. نصف ثانية كانت كافية لنشبع موتا. أيقظتنا صيحة عالية، صيحة غاضبة، واضح أن صاحبها غير راض على موتنا. يريدنا أن نموت أكثر، أو هو يتمنى لنا موتا أحسن من موتتنا هذه. أمرنا بالوقوف وشرح لنا بكلمات متكسرة كيف يريدنا أن نموت. حرك جلنا رؤوسهم دلالة على فهم فكرته. مُتْنا من جديد، وسيتكرر موتنا أكثر من مرة، وفي كل مرةنبعث لأخذ تعليمات جديدة تساعدنا على إتقان الموت الجماعي الرهيب، وفي كل تلك المرات لم يرتح صاحب الموت لموتنا. عندما أدرك أننا قتلنا من التعب، وأن التكرار والضجر هلكنا، ضرب كفا بكف وأمرنا أن نقف ونذهب، وأن لا نعود في اليوم الموالي إلا ونحن على استعداد تام لموت جماعي أجمل مما فعلناه اليوم. وأنهى كلامه متأسفا:
– أنتم لا تدركون معنى الموت ولا حرّ الموت… واضح أن لا أحد منكم شاهد صور الموت الجماعي في سراييفو أو في فلسطين..
أشعل غليونه وتمتم في حزن:
… – هل علي يا رب أن أجيء بموتى حقيقيين من المقابر
في البيت استقبلتني زوجتي وسألتني:
– متى ستفي بوعدك معي ونسافر؟
كنت منهكا وقلقا، أجبتها بعنف:
– لما أموت جيدا.
ذهبت إلى غرفتها غاضبة وأقفلتها عليها.
قلت أنا:
– طيب، هي فرصة لأتدرب الليلة على موت يسر المخرج وننهي المشهد الأخير من الفيلم، فيلم “حدث مرة في حلبجة”.
(المغرب)