قفص


*فاطمة ناعوت


ركضتُ صوبَه
ولّما هممتُ بالقفصِ من جديد
لأفتَحه
لم أجدْه.
القفصُ الموصدُ
غليظُ القضبانْ
لم يعد حول جناحيّ عصفوري
إنما 
حولَ قلبِه.
عند حُمرةِ الشَّفَقِ الحزينْ
كانَ عصفورٌ
يئِنُّ في قفصٍ
أنينَ المواتِ 
والحَزَنْ.
سَجّانةٌ
حسناءُ 
من جبالِ البربرْ
قصّت ريشَه
لتحشو وسادتَها
استلّتْ من حُنجرتِه 
وترًا
جعلتْه خيطًا لأسنانِها
ثم سجنتْ نصفَ أبكمَ
في قفصٍ
وجلستْ عند شاطئ النهرِ
تُدخّن الغليونَ
وتُغنّي.
سمِعتُ أنينَه المهزومَ
يجوبُ سماءَ طِيبةَ
فسافرتُ 
وسافرتُ
عبرتُ الجبالَ والبحارَ
وقطعتُ البراريَ
ومزّقتُ الصحارَىَ
ولما دنوتُ من إسارِه
ابتسمَ
في وهنٍ
وهمَّ بالغناءْ
رغم بُكمِ الوترِ الناقصِ.
فتحتُ الصندوقَ
كسّرتُ الأغلالَ حول مِعصميه
ثم علّمتُه الطيرَ
فطارَ للبعيدْ
باحثًا عن سَجّانتِه
وعن قفصِ الفولاذْ الذي
ألقيتُه وُسْعَ ذراعي
إلى حيثُ
قاعِ المحيط.
وقفَ فوق رابيةٍ
تُطِلُّ على صفحةِ الماءْ
تلفّتَ مناديًا:
«أيتها السجّانةُ
التي ذبحتْني
ها هو أنا ذا
جِئتُكِ 
خانعًا
طائعًا
فتعاليْ!»
فلمّا لم تُجبْه
بمِنقارِه المكسورْ
انتشلَ قفصَه
طأطأ رأسَه 
خفيضًا 
خاضِعًا
ثم ضمَّ جناحيه
ودخلْ.
ركضتُ صوبَه
ولّما هممتُ بالقفصِ من جديد
لأفتَحه
لم أجدْه.
القفصُ الموصدُ
غليظُ القضبانْ
لم يعد حول جناحيّ عصفوري
إنما 
حولَ قلبِه.
__________
*نصف الدنيا

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *