بطل من هذا الزمان




هاميس البلشي


خاص ( ثقافات )

في مقدمة روايته “بطل من هذا الزمان” يخبرنا ميخائيل ليرمنتوف: “إن “بطل زماننا” ليست صورة لرجل واحد، بل صورة تضم رذائل جيلنا كله.. وإذا قال أحدهم إن الأخلاق لن تجني من ذلك خيراً، فلا تتعجلوا، فطالما غُذِّي الناس بالحلوى حتى فسدت معدتهم. ويجب عليهم الآن أن يتناولوا العقاقير المرة، وأن يتقبلوا الحقائق اللاذعة.. لقد أردت على سبيل التفكُّه أن أرسم صورة لإنسان هذا العصر كما فهمته، وكما رأيته في أغلب الأحيان”….

يرسم “ليمنتوف” في روايته صورة “لبتشورين” أو “بطل هذا الزمان” كما يسخر منه، صورة قاتمة تفضحنا وتعرينا وتضعنا أمام أخطائنا غير متكلفين ولا مدعين للمثالية، يواجه “بتشورين” عيوبه ويعلن عنها بكل وقاحة، وقاحة إنسان اختار أن يواجه مساوئه ويتعايش معها على أنها طبيعته التي فطر عليها، ويبرزها على أنها الشر المطلق.
هو يعني ذلك جيداً ومقتنع تماماً بأن ما يفعله يتنافى مع الأخلاق النبيلة، ولا يحاول أن يقنعنا بالعكس، يمضي في طريقه الذي رسمه له القدر وصار يؤمن به، يُهلك حياة أناس، ويجرح مشاعر آخرين متلذذاً بمراقبتهم يتألمون، ساخراً من عواطف البشر، من النساء، من الحياة ومن الموت “إن الألم الأول الذي تعانيه يطلعك على اللذة التي يحققها لك تعذيب الآخرين”.
المرة الوحيدة التي استجاب فيها لنداء قلبه، وبدأت أتعاطف معه ومع فلسفته الغريبة في الحياة، خذلني بتراجعه المفاجئ، وإرجاعه تلك الاستجابة إلى أنه كان فريسة إرهاقه وغمه الخفي، وندم على كونه إنساناً يحس تقوده مشاعره “إنني أعيش بالعقل لا بالعاطفة”، مبرراً ذلك بأن من العبث والطيش السعي وراء سعادة زائلة مؤقتة، فالموت مصير ينتظرنا جميعاً، ولحظات الوداع الأخيرة لن تغني الذكريات ولن تجعل الفراق أقل مرارة.
“أنا أكره الناس لكيلا أحتقرهم وإلا أصبحت الحياة مسخرة تدفع إلى الكثير من الاشمئزاز”.. هكذا دون بدائل أخرى يضعنا بتشورين بين “أفضل الوحشين” كما يقولون، لا وجود للحب.. للعطاء.. للتضحية، اختار أن يكون أنانياً، يعيش من أجل أهوائه الشخصية، ويعرف جيداً كيف يروض نفسه ويكبح غرائزه وضعفه أمام دموع ضحاياه.
بتشورين يجرد الحياة من المشاعر والحالات الإنسانية، وينظر إلى العلاقات بين البشر على أنها معركة يود أن يخرج منها منتصراً دائماً مهما كلفه ذلك من عناء لنفسه ولشريكه الذي يعتبره دائماً خصمه حتى لو كان صديقه أو حبيبته. 
“صحيح أن الحياة لا تستحق أن تُعاش، ولكننا نعيش على كل حال من قبيل حب الاطلاع ننتظر جديداً… بؤساً وضلالاً!”.
ينظر إلى حياة الطبقة الراقية التي ينتمي إليها نظرة بائسة ساخطة متبرمة، وينتقدها بلا رحمة، ويرى أن هذه الحياة المترفة لا تليق به، فهو كالقرصان لا تستهويه الشطآن وعينه دائماً على الأفق البعيد..
لم تفاجئني نهايته، فقد مات وحيداً شريداً بلا أهل ولا ولد ولا زوجة تفتقده وتبكيه وحيدة في الفراش على الرغم من كم النساء التي كانت مولعة به طيلة حياته، واللاتي دفعن حياتهن ثمناً لهذا العشق..
نهاية يستحقها بحق الذين عذبهم بحبه وحرمهم سعادة العيش مطمئنين…

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *