(ثقافات)
جمالية الموت عند الشاعر المغربي مراد القادري ديوان “و مْخَبّي تَحْت لسَانِي رِيحَة المُوتْ” نَموذجاً
فاطمة بن محمود / تونس
تقديم الديوان:
أصدر الشاعر المغربي مُراد القادري ديوانه “وْ مْخَبِّي تَحْت لْسَانِي رِيحَةْ المُوتْ” سنة 2021 طبعة أولى، حجم متوسط يمتد على 70 صفحة و يضم 15 قصيدة كُتبت باللهجة المَحكية المغربية أقصرها في صفحة واحدة (مثل قصيدة “الكلمة”) و أطولها تمتد على 11 صفحة (مثل قصيدة “أعطيني”)، يتنزّل هذا الديوان في إطار تجربة قاسية مع الكوفيد عاشها الشاعر مراد القادري و وثّقها في صور شعرية جميلة تُعبّر من جهة عن هشاشة الحضور الإنساني أمام الوباء و من جهة أخرى على قدرة المبدع على تحويل الموت إلى إشكالية للتفكير و تيمة للابداع.
للشاعر دواوين شعرية أخرى مثل “حروف الكف” (1995) و”غزيّل البنات (2005) و “طير الله” (2007) و”طرامواي”(2015) وغيرها، كما أصدر كتبا نقدية في مواضيع متعددة. تُرجمت دواوينه إلى لغات عديدة مثل الفرنسية والاسبانية والانقليزية والايطالية..
الشاعر مراد القادري متحصل على الدكتوراه في الأدب المغربي الحديث وباحث في الدراسات الثقافية.
عتبة الغلاف:
يُمَثّل الغلاف عَتَبة مهمة لأنه يُوَجه المُتلقي لفهم و تأويل معاني القصائد. اختار الشاعر مراد القادري أن يكون ديوانه بلونين، اللون الأحمر على الغلاف الأمامي و اللون الأسود على الغلاف الخلفي، الأحمر والأسود من الألوان القوية، يوحي الأحمر بالمشاعر الجيّاشة، بالاندفاع، بالشغف، وأيضا بالغضب، و يوحي الأسود بالوجاهة والغموض و النفوذ..
بين هذين اللون المختلفين يختار الشاعر أن يُطلق في قصائده مشاعر قوية فيها الكثير من التوتر و القلق والرفض و تعبّر عن مواقف من الحياة و الموت. في الغلاف الأمامي للكتاب اختار الشاعر أن يكون اللون الأحمر خلفية لمجموعة من الرسوم باللون الأسود، هذه الرسوم تُعدّ علامات غير لغوية تحمل معانيها و تساهم في تكثيف الجوانب الدلالية لقصائد الديوان. تتمثل هذه الرسوم في شجرة لعلها شَجرة الحَياة تحمل في أغصانها بُومة يشير هيقل أنها رمزا للحكمة لا تظهر إلا بعد انقضاء النهار لتتأمل في مشاغله، وهذا يذكرنا بهيقل الذي جعل من البومة رمزا للفلسفة بما هي “حب الحكمة” و لا تبدأ عملها إلا بعد أن يكتمل بناء الواقع، أيضا تتدلى من أغصان الشجرة عنكبوت تشير في بعض الثقافات إلى الحظ السعيد أو إلى الصبر و يمنحها الشاعر معنى محددا في هذا الديوان فيجعلها ترمز للموت، أما الساعة المُعلقة فإنها تحيلنا إلى الزمن.
عندما نقرأ قصائد هذا الديوان سنجد الشاعر يتحدث في قصائده عن الحياة بما هي تجربة وجودية عميقة و يستعين بالحكمة ويتحمّل مكائد الزمن بصبر و يراوغ الموت بقصائده وفي كل ذلك يمنح للوجود معاني مختلفة.
تنتشر على غلاف الديوان أيضا رسوما أخرى مختلفة لقطار و حبل غسيل عليه ملابس و رَجُل يسير على دراحة و نادل يحمل طبق به قهوة ساخنة وصندوق.. أجد جميعها تنتمي إلى اليومي و تشير إلى تفاصيل الحياة التي تجعل الإنسان في سَفر مستمر يستريح قليلا ليواصل رحلة الحياة مرتديا أفكاره وأحلامه يحمل صندوق أسراره و يبحث عن معنى لكينونته، اللافت أن أغلب الرسوم تحمل ظلا لها وهو ما يحيلنا مباشرة إلى كهف أفلاطون التي ترتسم على جداره ظلالا للأشياء و يكون ذلك مدخلا مناسبا ليتحدث في فلسفته عن العلاقة بين الحقيقة و الوهم.
عتبة العنوان:
يُمثل العنوان مدخلا دلاليا للنص الشعري يُعبِّر عن كينونة القصائد و دلالتها و هذا ما يجعله بمثابة سُلطة توجه القارئ و تثير فضوله، نلاحظ أن الشاعر مراد القادري ابتعد عن العنونة التقليدية و التي عادة تكون موجزة لها إشارة دلالية محددة ويمكن ضبطها في كلمة أو كلمتين و اختار أن يكون عنوانه في صيغة جملة تبدو مقتطفة من سِياق تَعبيري محدد، “و مْخَبّي تَحْتِ لْسَانِي رِيحَةْ المُوتْ” بمعنى انه اختار عنوانا يشير إلى حدث شخصي وهذا ما جعل العنوان يُعبّر عن حالة نفسية و ذهنية بعينها، أيضا يبدو الشاعر هنا في وضعية الحَكّاء بمعنى أن الأنا هنا هي العنصر الفاعل في مواجهة مُتقبّل لتصف الأنا وضعية استثنائية، إنه يعلن دون وجل أنه يملك قدرة على إخفاء رائحة الموت تحت طرف لسانه و هذا يعني أننا في مواجهة أنا تملك قدرة على التعبير بجرأة عن ذاتها و لها نفوذا على الموت.
أولا: الشعر رؤية للوجود:
من عادتي أن أكتب عن الشعر في حالة واحدة إذا وجدت فيه شعرية لافتة و هواجس تثيرني و رؤية جمالية تمثّلني، أي أني أحتاج أن أحب القصيدة حتى أكتب فيها و عنها و هذا هو ما جعلني أشتغل على ديوان “وْمْخَبِّي رِيحَة المُوتْ تَحْت لْسَانِي”، و ﻷن الشعر أنواع فيه المقفّى و الحر و النثري و ما يكتب باللهجة المحكية و من عادتي أن أقتفي أثر الابداع في كل نوع شعري أي أن ما يعنيني هو شعرية القصيد خارج تصنيفاته المتعددة.
هذا الديوان أجده يفيض بالشعرية و فيه اشتغال على أفكار عديدة يقدمها وفق صور جميلة لا فتة، لذلك تعمّدت في مقالتي هذه أن لا أستعمل لفظ “الزجل” ﻷن القصيدة “الزجلية” و لاعتبارات عديدة تبدو كأنها أقلّ شِعرية و تتخلّف بخطوة عن قصيدة الفُصحى، كما أني لم أستعمل لفظ الشعر “العامي” ﻷني أعتقد أن الشعر ليس له علاقة بالعامية و لا بالعوام فهو لا يتعامل بـانفعالية و سطحية مع قضاياه و إنما يُحرّكه حسّ نقدي و هاجس إشكالي و روح جمالية و كل ذلك لا يوجد في اللهجة العامية بل المبدعون في كل مجتمع هم الذين يبثّون في اللغة دلالات مغايرة و يرتقون بها إلى الشعرية المنشودة، فقط للضرورة الاجرائية اضطررت في مرات متباعدة أن أستعمل لفظ القصيدة باللغة “المَحكية” حتى أفصل منهجيا بينها و بين غيرها من أنماط القصائد ﻷن لفظ “المَحكي” من الحَكي و يعني انه يروي قصة ما، وهذا يعني أنه يحمل فكرة أي أن المحكي له رؤية و موقفا و تلك حسب رأيي من مهمات الأدب عموما.
إذن اللغة التي يكتب بها الشعر ليست سوى أواني تضم فكرة و تحتوي على رؤية للوجود و فيها قدر من الجمالية، هذا ما يجعلنا نتساءل أمام كل قصيدة تقال بالفصحى أو باللغة المحكية – ﻷية مجتمع – هل هناك شعر أم لا؟
انطلاقا من كل ما تقدّم أعتقد أن مراد القادري في منجزه الشعري يدافع عن شعرية القصيدة التي يكتبها وأجد أن ديوانه “وْمْخَبِّي رِيحَة المُوتْ تَحْت لْسَانِي رِيحَة المُوتْ” يمثل لحظة هامة في تاريخ الشعر باللغة المحكية المغربية ﻷنه يرتقي بها إلى مستوى التجربة الوجودية العميقة التي تملك الحس الفلسفي و ليس اليقين الصوفي و قد أشار الشاعر مراد القادري في حوار معه أنه “يكتب ليقدم رؤية وجودية للحياة” (1) و بذلك يساهم في نضج القصيدة المغربية المعاصرة.
ثانيا: الأبعاد الدلالية للموت:
1/ أن يتحول الموت إلى موضوع:
أ – تدجين الموت:
يُعتبر الموت هاجسا لدى الإنسان غير أن العامة يكتفون بالتعامل معه انفعاليا و عفويا فلا يتجاوزون حدود الخشية والتهيّب منه و يواجهونه بالإذعان و الاستعداد له بما أوتي لديهم من الإيمان الديني و ما وَقَر في صدورهم من اليقين، غير أن ما يميّز المبدعون أن الهاجس الإبداعي يجعلهم يحوّلون الموت إلى سؤال إشكالي، لذلك أعتبر الموت من أهم التيمات التي يقتات منها الشعر منذ قديم الزمان على اعتبار أن الشعراء أشد الكائنات تحسسّا من الزمن فتحوّل الموت إلى هاجس يُطاردونه بطرق متعددة و يواجهونه بأشكال مختلفة. في هذا الديوان تَحَوّل الموت إلى هاجس عند الشاعر مُراد القَادري فهو الموضوع الرئيسي الذي يطغى على أغلب قصائد هذا الديوان
“و مْخَبِّي تَحت لْسَانِي رِيحَة المُوتْ” يعني أنه يعتبره عدوه اللدود، علما وأن مراد القادري في دواوينه السابقة قد حوّل الموت إلى موضوع شعري نذكر قصيدة له بعنوان “موت” في ديوانه “طرامواي”(2) يخاطب الموت مباشرة ليكشف عن وحشيته التي حَوّلته مِن مَوت بيولوجي إلى موت رمزيا يقتات من الإنسان “الشَقي بوعيه” حسب المُتنبي و يقتله كل يوم على دُفعات يقول القادري:
كُلْ ليِلَة سَبْتْ،
تَيْكُونْ
هُوَ وَ الصَمْتْ
بْزُوجْ،
(…)
يَحْلم ب المَطَار.. لْ هِيّةْ
وْ بْ اللِّي جايْ
اخْتَارْ يْمُوْت دِيطَايْ.
إذن نلاحظ أنَّ الشاعر مُراد القَادري لا يُهادن الموت و لا يخشاه بل يعمل على مواجهته و تَدجينه بتحويله إلى موضوع شعري، و هذا يعني أنه يغرس فيه أظافر اللغة و يثأر لنفسه منه لذلك جعله التيمة الأساسية في هذا الديوان.
في حوار له يقول الشاعر مراد القادري “لا أحبّذُ أسطرة عملية الكتابة، ولا الادّعاء بأنها وحيٌ من مَلاك عُلوي، أو تأتي ضمن طقوس خاصّة. أرى الكتابة ممارسة عاقلة وراشدة” (3) هذا يعني أن القادري يمارس عملية الكتابة بذهن متيقّظ و حسّ إشكالي لذلك نجده ينازل الموت بكل شجاعة و يذهب إليه مُحمّلاً بهواجسه وأسئلته و وعيه المُتشظي، لم يواجه الشاعر مراد القادري الموت ليهادنه أو يترفّق به أو يخضع له مثلما فعل الشاعر محمد علي شمس الدين (4) عندما قال:
وأنا لستُ قَويا كيما تنهرني بالموت
يكفي أن ترسل في طلبي
نسمة صيف فأوافيك
في المقابل اختار الشاعر الفلسطيني محمود درويش طرق مختلفة لمواجهة الموت من ذلك أنه يكشف في “الجدارية” (5) عن وحشيته عندما قَدَّمه في شكل صيّاد تنقصه المُروءة و يفتقد النُبل فينقضّ على فريسته وهي في غفلة من أمرها منهمكة في شرب الماء، و هذا جعل درويش يتضرّع له و يطلب منه بكل لطف “أن يكون طيبا و نبيلا” فيقول:
ويا مَوْتُ انتظرْ، يامَوْتُ،
حتى أستعيدَ صفاءَ ذِهْني في الربيع
وصحّتي ، لتكون صيَّاداً شريفاً لا
يَصيدُ الظَّبْيَ قرب النبع.
ب- تسمية الموت:
ﻷن الشاعر لاعب ماهر داخل اللغة هذا ما يجعله خلاّق معنى لذلك ابتكر مراد القادري للموت اسم “العنكبوتة”، جعله مجرد حشرة بلا قيمة و حوّله إلى كائن هش حتى أن بيته يشير إلى الوهن والزوال، يسمّيه ثم يصفه في قصائده بالقاتل المتوحش لذلك اختار أن لا يُهادنه بل يكشف عن آثار جريمته ليثبت وحشيته. في قصيدة بعنوان “العُكّاز” ص 9 يأتي الشاعر متأخرا مثل بومة مينارفا وقد وجد الموت قد انتهى من لَيّ رِقاب من تقدم بهم العُمر و فقدوا قوة الشباب و صلابة النفس فينكّل بالعجائز و يسلب أرواحهم وهم في أرذل العمر. يقتفي مراد القادري أثر الموت فتنتقل كاميرا الشاعر تجوس في موقع الجريمة و يشير إلى الأشياء التي خلّفها الموت بعد أن قَنَص رُوح العجوز و تركها جثة هامدة: عُلبة الأدوية، قارورة الزيت، كتاب القرآن.. وعلى طريقة الزوم في الكاميرا يركّز الشاعر على عُكاز العجوز الذي يحوّله من مجرد عصا للاتكاء إلى صديق لها تتكئ عليه و يحمل أسرارها والذي حَدس نهاية رفيقته فاضطر للمغادرة حتى لا يشهد لوعة فراقها، يقول القادري ص 9:
مْلِّي مَاتت
لْقاوها بُوحدها ف البيتْ،
(…)
شَفْتْ ذِكرى، عْ الحِيطْ
وعُكّاز.. مْشَى
قْبلْ منها وْرشى..
وْ الضُّو تطفى فْ عينيهْ
كان حيطها.. تَتْكَّى عليه.
و كَ شي صْحَاب..
هُوَ يْشَدْ فْ يْدّيها،
و هي
تْخَبّي حُزنها فِيهْ.
2/ عندما يتحول الموت إلى حياة:
أ/ جمالية الموت:
تحوّل الفلسفة الموت إلى سؤال حارق غير أن خصوصية المبدعين أنهم يلقوا بهذا السؤال لا للتنظير بل لتحويله إلى قيمة جمالية، بمعنى أن المبدعون يأتون بالموت و يعملون فيه أدواتهم التخييلية التي ليست لها حدود، و لا تحتكم إلا لمنطقها الداخلي الذي يتّسع لكل الرُؤى لذلك يمكن للمبدع أن يرى في الموت ما لا يراه غيره.
يبدو الموت في مقابل الحياة يعني أنّ وجوده يُضفي على الحياة قيمة و معنى، فهو يأتي ليُقوّض الوجود الإنساني و يسلبه لَذّاته أي أنه يصبح مقياسا لإدراك قيمة الحياة، هذا يعني أنّ وجود الموت يصبح ضروريا لتكون ثمة حياة، من هنا يكتسب الموت معنى و نمسك بأول الفكرة للحديث عن جماليات الموت.
في الديوان السابق للقادري و عنوانه “طرامواي” نجد قصيدة بعنوان “القرصان” ص 63 يتحدث فيها الشاعر عن ثنائية الموت و الحياة على رصيف شاطئ حيث زوارق الصيد التي عشّشت فيها رائحة الموت تنتظر أن تُبحر من جديد لترسم مشهدا تراجيديا يجمع بين الانكسار الذي يخلّفه الموت في المكان و التحدي الذي تمثّله روح الصياد ليرفع شِراع زورقه من جديد. هذه الثنائية بين الموت و الحياة تحضر أيضا في ديوان “و مْخَبِّي تَحْتِ لْسَانِي رِيحِة المُوتْ” و في قصيد بعنوان “صاحبي” ص 47 يتحدث الشاعر مراد القادري عن موت صديق له وعند قبره تجتمع الحياة بالموت يقول:
واليُومْ
ك مْشِينَا لعِنْد قَبْرُو
حطِينَا دَمْعَة عَلَى صَدْرُو
دَمْعَة صَافِيَة مِنْ زَاجْ
حَطِينَا…
مَا(ء) بْحَرْ.. وْ كُوكِيَاجْ.
يقدم الشاعر صورة قاسية عن الأصدقاء الذين يذهبون للمقبرة لزيارة صديقهم المتوفي، نلاحظ هنا وكأن الأصدقاء بتبادلون المواقع مع الميّت، هم داخل القبر يتحسسّون ظلمته ووحشته فيمتلكهم الخوف من الموت و الميت خارج القبر يتنعّم برائحة البحر و نسائم الشاطئ والألوان المنعشة للحلازين الصغيرة، و ﻷن الحياة هي الأصل يعود اﻷصدقاء من وحشة القبر ويتحلقون حول صديقهم الذي ينبض بالحياة في ذاكرتهم و بواسطة تفاصيل الحياة الصغيرة التي يحطّونها على قبره يتحدّون المَوت ليؤكدوا أن الأصل في الأشياء ليست ظلمة القبر بل ضوء النهار وأن حقيقة الحياة تتمثل في قيم الصداقة و الوفاء، هكذا يتحدى الشعر الموت و يحوّله إلى مشهد جمالي يحتفي بالتفاصيل.
ب / شعرية التفاصيل:
يقوم القادري بأنسنة الموت، يجعل له جسدا و صوتا و لغة و بذلك يصبح الصراع متكافئا بين ذاتين: الشاعر من جهة و الموت من جهة أخرى، و هكذا يصبح الحوار ممكنا مع الموت تماما مثلما فعل محمود درويش و وجيه البارودي. الحوارية مع الموت تعني أنه وقع التحرّر من صورته الغامضة و الزئبقية التي تجعله كائن هلامي بلا تفاصيل لذلك الشاعر مراد القادري يمنح الموت هُوية و يخرجه من قمقه و يرفعه إلى مرتبة الإنسانية و بذلك يخلّص الموت من أدرانه و من كل التشوهات التي ألحقها به الإنسان عبر التاريخ. يوظف الشاعر مراد القادري الموت ليلتقط أشياء عديدة من ذاته و من محيطه الشخصي مثل قلبه الهشّ و ساعته اليدوية التي تعطّل فيها الوقت، يقول في قصيدة “عنكبوتة” ص 62:
و أنا
كُنت بَاغِي م الوَقْت سَاعَة
نَشْعَلْ للرُوحْ شْمَاعَة
نَجْمَعْ الشَانْطَة
نَاخُذْ لْحَافْ وْ مَانْطَة
وْ شِي كْتُوبَا
نَشْرَبْ جَغْمَة..
آخِرْ جَغْمَة مِنْ كَاسِي دْ أتَايْ
خيار مواجهة الموت هو الذي يجعل الشاعر منشغلا بما نسميه شعرية التفاصيل التي وجدت منذ زمن قديم عندما انتبه الشاعر إلى اليومي، و تبلورت شعرية التفاصيل خاصة عندما ترجم سعدي يوسف قصائد الشاعر اليوناني يانيس ريستوس وقدمه للمشهد الشعري العربي فأحدث ريستوس تأثيرا عميقا لدى الشعراء العرب. قيمة شعرية التفاصيل أنها تحوّل اليومي و ترتقي به إلى مرتبة جمالية عالية أي أن الشاعر ينتقل من الإدراك الحسّي إلى التمثّل الذهني عبر مَلَكة التخيّل و هذا ما يفعله الشاعر مراد القادري الذي يقول في قصيدة “العنكبوتة” ص 65 في حوار يجمعه بالموت:
و تْجِينِي
ناَقص أوكسجين.. لابِسْ سِتْر اللّه،
حَاصِل فْ اسْمَكْ
وَاحِلْ فْ جِسْمَكْ،
و مْخَبِّي تَحْت لْسَانك رِيحِة المُوتْ
و قلب أقْصَحْ مِنْ فراشة،
و فْ صَدْرِكْ شِي بْرَاطل، بْ لُونْ البرْد
و حتى ساعتك يذيل فيها الوردـ
تفيض قصائد هذا الديوان بالتفاصيل التي تبدو بسيطة وتلقائية تُعَبّر عن التصاق الشاعر بالحياة و تفاعله مع اليومي الذي يعيشه، كما تعكس قدرة تخييلية تجعل من أفق القصيدة رحبا، فهو لا يذهب بعيدا ليأتي بالمعاني بل يكفي أن يصوّب بصره حوله ليلتقطها و يدسّها في مشهدية جميلة و لافتة، هذا ما يجعل مراد القادري يكتب قصيدته وكأنه يتنفس الحياة.
قيمة التفاصيل الصغيرة في الشعر أنها تسحب القارئ إلى داخل القصيدة وتجعله يتمثّل مناخاتها و أجوائها حتى أنّه يتمثّل نفسه داخل القصيدة ويشعر أنها تتحدث بلسانه.
3/ الموت بما هو تجربة وجودية:
عندما قال هايدقار “الإنسان كائن من أجل الموت” (6) فقد جعل الإنسان في مواجهة الحقيقة، بمعنى أن الموت ليس له وجود مُضمر و ليس مجرد نهاية حتمية بل يرافق الإنسان في حياته، هذا يعني أنه سيكون مهددا به في كل حين، لذلك نجد الشاعر مُراد القادري في حالة توتر نفسي و قلق ذهني و ﻷنه مرتبطا بواقعه فقد اختار أن يسائل الأشياء في قصائده و يلتقط التفاصيل من حوله: حبل الغسيل، صندوق الثياب، زاوية وليّ صالح، صورة حبيبين منسية.. و مرة أخرى و بطريقة فنية يوجه زوم إلى رصيف مهمل فيتحدث عن معاناته و وحدته القاسية.
في قصيد “الصندوق” ص 5 نجد الشاعر حاملا لحيرة مُربكة و مُحَمِّلا بأسئلة متعددة، يقول:
وأنْتَ تْتقلّب فْ الصُندوق
غَادِي تَلقى شَلّا حَاجاتْ:
دَمعة مَخْنُوقَة،
فُوق خْدُودك مَشْنُوقَة
وْ سَاعة..
وَاقِفْ فيهَا الوِقْت،
(..)
غَادي تَلقى حُلم اعْوّج
حاَطت به العَنْكَبُوتْ
تْعَفّن،
وْ فَاتْ فيه الفُوتْ…
أعتقد أن اشكالية الموت في ديوان مُراد القَادري هي التي تحدد كينونة الإنسان التي تصبح في حالة مُتغيرة، و تدفع به للبحث عن حقيقة ذاته داخل الزمن، بهذا المعنى أجد الشاعر مراد القادري في ديوانه هذا حاملا الوعي الهاديقاري الشقي، فهو يواجه الموت بجرأة و يظل يُحدّق فيه دون وَجَلٍ يقول في قصيد “العنكبوتة” ص 62:
كُنْت بَاغِي قبل ما نْفُوتْ
لِكُنّاش المُوتَى
نُخَرِّجْ لْسَانِي للعَنْكبوتةْ
و ﻷن الموت “هَادم اللّذات” و قاهر الإنسان لذلك جعل قلقامش البطل الأسطوري يبحث عن عشبة الخلود، أما الشعراء اختاروا مخاتلة الموت و ارباكه من خلال اللغة و من ثمة الاطاحة به هذا ما فعله محمود درويش عندما هتف في احدى قصائده “هزمتك يا موتُ الفنون جميعها، هزمتك يا موت النقوش على حجارة معبد…” (7) بمعنى أن مواجهة الموت حقيقة والانتصار عليه مجازا وهذا أشد ما يُضْني الشاعر، لذلك نجد مراد القادري في ديوانه مُصِرٌّ على الحقيقة و متشبثٌ بفكرة مُواجهة الموت، يقول في قصيدة “أعطيني” ص 47:
أعطيني جُغمة مِن كَاسْ
المُوتْ
أعْطِيني كْفَنْ عَنْكْبُوتْ
و اعطيني خفّة دْ الفراشَة، باشْ نْطير فْ لَهْوَا.
تبلغ المواجهة حدتها في هذه القصيدة و يشتد اختناق الشاعر فيواصل النسق التراجيدي الحاد في الارتفاع ليقول:
اعطيني لَمْرُورَة تجري فْ الحَلْقْ،
و اعْطِينِي.. شْوِيَا دْ السْكَاتْ
بَاشْ نَسْمع صُوتِي
اللي ضَاعْ فِي الزْحَامْ،
أعُطِينِي مْ الأيَامْ
دَابَا
و خُذْ البَارِح.. خُذْ غَدَّا.
عَلِمْني نتألم قبل مَا نبدَا.
نلاحظ هنا أن اللغة ليست صورا ساكنة بل تضجّ بالمعاني التي تُعَبّر عن توتر وارتباك اللحظة التي يعيشها الشاعر إلى حد أن تضيق العبارة كما يقول النِفري فيطلب الشاعر في آخر القصيدة الزهايمر لا لينسى بل ليتذكر ما يريده، هنا تبدو المفارقة الشديدة بين النسيان و التذكر التي تقذف بالشاعر في فضاء مترامي لا حد له أو هو “العَمَاء” كما يسميه ابن العربي حيث تتلاشى الأبعاد الحِسية و تأخذ الشاعر إلى التعالي المطلق الذي ينفتح على اللانهائي.
كيف سيختار الشاعر عودته من هذه التجربة العميقة؟
يختم القادري قصيدته بقوله:
اعطيني
الطريق لعينيك،
اعطيني.. ريحة البيت
أو خليني..
نرجع منين جيتْ.
فخ النجاة:
انطلق الشاعر من العنكبوت في اشارة إلى الموت ليتحدث عن تجربة وجودية حادة فيها الكثير من الانفعالات المتداخلة و التوتر الحاد. الوعي بالموت كان الشرارة التي أخذت الشاعر إلى تجربة تراجيدية و الخلاص لا يكون إلا من خلال طريق يؤدي إلى الحبيبة ليصل إلى البيت، هذا البيت نفسه الذي تحدث عنه غاستون باشلار فقال أنه يُمثّل رُكننا في العالم أو هو كما قيل مرارا كَوْنُنَا الأول، كَوْن حقيقي بكل ما للكلمة من معنى”، عندما تحدث قاستون باشلار عن “جماليات المكان” (8) جعل من البيت مكانا نفسيا يمثل توازن الإنسان و يُعبّر عن عمقه و يصالحه مع ذاته، ﻷن البيت ليس حَيّز مادي بل فيض من الذكريات، البيت هو أصوات الأحبة، هو رائحة الزمن الجميل و معاني انسانية عميقة تجعل له مكانة بسيكولوجية مهمة تصالح الإنسان مع ذاته.
الشاعر مراد القادري في هذه القصيدة يكشف عن خَلاصه الذي يكون عن طريق الحب و ينتهي إلى تأسيس الكون الذي يعنيه، لذلك بيت الشاعر هنا هو الذي يمثّل بعده الإنساني و يحدد هويته.
يعي مراد القادري الدلالة المكثّفة للبيت لذلك أشار إليه أيضا في ديوانه السابق “طرامواي” عندما قال في قصيدة تحمل عنوان “البيت” ص 35:
فِيه
حَاجة مِنا.. عَالقة،
فْ لْحيوط
فْ البِيبان لَاصْقَة،
فْ الفَرْشة،
(…)
فِيه الرُوح تتوضأ
فيه خْيالات دْ الفَوضى.. و دَهْشَة،
هاد البيت.
قد يكون البيت الذي يتحدث عنه مراد القادري هو بيت الطفولة و قد يكون بيت في القصيدة و في كل الحالات هو الكَون الذي تهدأ فيها الرُوح من ترحالها و تحطّ أسئلتها و تبرد حَيرتها و يسكن قلقها.
غير أن الشاعر مراد القادري الذي تغلغل فيه الوعي الشقي لن يسكنه “بَرد اليقين” حسب عبارة الغزالي و لذلك لوّحَ بقراره في آخر سطر عندما قال:
أو خَلِينِي…
نَرْجَع مْنِينْ جِيتْ.
إذن نكتشف أن الشاعر خاتل قارئه وأنّ البيت لم يكن حلا نهائيا كما أوهمنا بل يتنزّل في إطار فرضية لا غير، بمعنى أنه لا يزال في منزلة بين منزلتين: إما البيت أو العودة من جديد إلى المربع اﻷول، إلى قلقه الوجودي و حيرته المتشظية.
بهذه “القفلة” يؤكد لنا الشاعر أن تجربته الوجودية ليست انفعالية بل هي تجربة ذهنية تعكس وعي خالص مما يجعلنا ننتهي أن الصراع هو الذي يحدد جوهر الوجود الإنساني وهو الذي يكشف عن كينونة الشاعر الذي يكتب لا ليُعبّر عن انفعال بل عن رُؤية و هذا يعني انه لا يكتب حالة نفسية بل يكتب تجربة في الوجود.
ب – عبث الحياة / حتمية الصراع:
الحياة عند الشاعر مُراد القادري ليست سوى عبثٌ بالمعنى الذي تحدث عنه كامو ، وإذا اختار بعض الشعراء الإذعان لمعايير المجتمع و تمثّلات الوعي السائد بطريقة أو بأخرى فان القادري اختار المواجهة، إنه ذات صلبة لا ترتجف أمام الموت و لا تلينها الأقدار، بذلك يعتبر الشاعر أن الإنسان يحمل قَدَرَه على طريقة سيزيف و ليس له سوى العودة من جديد. بهذا المعنى نفهم أن مراد القادري يعتبر أن الطريق أهم من الوصول وأنّ قيمة الحياة في الحَركة و ليست في السُكون و هذا يعني ان الحياة لديه صِراع أو لا تكون.
يختم القادري ديوانه بقصيدة “العنكبوتة” ليتحدث عن تجربته مع وباء الكورونا الذي عصف بالعالم و خلخله، هذا الوباء جعله الشاعر في مواجهة مباشرة مع الموت، هل يعني انه سيستسلم “لهادم اللذات”؟
قال في ص62:
العَنْكَبوتة
وأنا بين حيوطها،
مْكفِّن
نَاعِسْ يمكن
و يمكن فَايِقْ
كَان بَاقِي زُوجْ دْقَايق
للمُوتْ.
(….)
وَ نْقُول لَيها:
طُزْ فِيكْ
نْمُوتْ و لا نْجِيكْ مْحَنّي،
تقول هي: يا وِيلك مِنِي
يُوم نْلَوّنْ بْ دَمِي صُوتِكْ
نَضْحِكْ و نِبْكِي على موتَكْ،
(…)
و أنا
كُنْت بَاغِي م الوقت سَاعَة
نشعل للرُّوح شَماعة
نجمع الشانطة
نَاخِذ لحاف و مَانْطَة
و شِي كْتُوبَا
نُشرب جُغْمَة مِنْ كَاسِي دْ أَتَاي
و نقول للزِلزَال:
هَانِي جَايْ…
هكذا يُنهي الشاعر مراد القادري ديوانه باستماتة شديدة دفاعا عن حقه في الحياة، انتهت الكورونا و ظل مراد القادري في مواجهة مفتوحة محمّلا بأسئلته الوجودية الحارقة و بذلك يُعَبّر عن روح سيزيف التي تسكنه. ينهي القادري ديوانه بخاتمة مُربكة بعيدا عن “برد اليقين” و هذا يعني ان الوجودية عند القادري لا تنزع نحو الصوفية مثلما هو الحال لدى الكثير من شعراء اللغة المحكية في المغرب بل فضل أن تكون وجوديته عقلية و منفتحة على تجارب شتى لذلك اختار في نهاية قصيدته / ديوانه أن يترك الستار مرفوعا لمتابعة النِزال ضد قدر الإنسان و في مواجهة أسئلته الشائكة في الحياة .
يبدو أن التناول الشعري للموت عند الشاعر المغربي مراد القادري قد تأثر بنظريات فلسفية لكن هذا لا يعني أن القول الشعري لديه قد تحوّل إلى مقولة مُوغِلة في العقلانية بل حافظ الشاعر بفعل ملكة التخيّل الرحبة على مرونته في تناوله للموت لذلك استثمر الكورونا ابداعيا و حوّلها إلى مواجهة وجودية، من أجل ذلك أنسن الموت ليواجهه مباشرة على طريقة الصياد النبيل وليس على طريقة الصياد / النذل الذي تحدث عنه محمود درويش و الذي تنقصه الشهامة والنبل فيستغل ظبيا منهمكا بالشرب من النهر لينقض عليه، إذن فكرة الأنسنة كانت ضرورة من أجل مصارعة نبيلة كانت في صالح الشاعر الذي تحدى الموت و أقبل عليه دون وجل و مشى في أرضه الرخوة والمفخخة بكل ثقة.
أعتقد أن أفضل ما ختم به القادري أن ترك مشهد المواجهة منفتحة في آخر الديوان على طريقة الأفلام التاريخية المُلهمة التي تنتهي و المحارب الروماني مازال واقف في ساحة القتال.
ثالثا: الخصائص الفنية:
تلتقي قصائد هذا الديوان بقصيدة التفعيلة لكني أجدها تميل أكثر إلى قصيدة النثر، بمعنى أننا نجد أثر لقصيدة التفعيلة على مستوى خصائص عديدة من بينها عدم التقيّد بالقافية و الميل إلى التطرّق إلى مواضيع مُطلقة لها علاقة بالوجود الإنساني و أسئلته المتعلقة بالحياة و الموت إضافة إلى توظيف تفاصيل الحياة اليومية من أجل إضفاء شعرية على اليومي كما نلاحظ أن كل قصيدة في هذا الديوان تحافظ على موضوع محدد وفق صورة شعرية تخصّه وفي كل ذلك تحافظ قصائد الديوان على خيط ناظم و إيقاع موسيقي خاص بها.
في المقابل تقترب قصائد هذا الديوان من القصيدة النثرية من حيث تحررها من معظم القوافي و اﻷوزان و التزام كل قصيدة بإيقاعها الداخلي، إضافة إلى أن كل قصائد الديوان قدمت مواضيعها ببساطة عميقة و احتوت على فخاخ تجعل من لغتها ليست مجرد تركيبا لغويا بل تحوي طبقات من الدلالات الايحائية التي تفتح على الوجود الانساني، كما احتوت على صور شعرية لافتة دون اسهاب لغوي أو ثرثرة مجانية.
الخاتمة:
يشير الناقد المغربي الدكتور عبد السلام المُساوي أن “الخطاب الشعري القديم عند العرب قد تعامل مع الموت بنبرة استسلام أحيانا، وبنبرة تصالحية مسنودة بالدين أحيانا أخرى، فإن الرؤية الشعرية المعاصرة للموت (..) قد جعلت من الموت جماليا عند درويش و متخيّلا عند أدونيس” (9). ثم استدرك المُساوي وأقرّ أن المتخيّل نفسه لا يعني غياب الجماليات، بمعنى أن هناك علاقة عضوية بين المتخيل و الجمالي و لعل هذا ما يميز الخطاب الشعري عن اﻷطروحات الفلسفية.
من جهة أخرى انشغل الشعر المغربي المعاصر بدوره بقضايا انسانية عديدة و “اهتم بهواجس الوجود الإنساني و تطرق الى فحوى الكينونة” (10) والشعر باللغة المحكية نفسه لم يشذ عن خطاب الشعر المغربي المعاصر ونجده مُحمّلا بقضايا انسانية عديدة و إن تأثر في جانب منه بنوع من الصوفية.
تبدو لمسة الشاعر مراد القادري في مدونة الشعر المغربي المعاصر بيّنة فقد عبّر عن قدرة الشعر باللغة المحكية على الخوض في مسائل وجودية وطرح إشكاليات تتعلق بشواغل الإنسان و مصيره، و بذلك كشف عن القدرة الهائلة التي تملكها اللغة المَحكية المغربية بحيث تستطيع التعبير عن هواجس الكائن الشعري و تشظيه و استيعاب قلقه الوجودي و أسئلته الجوهرية، و لم يكن هذا ممكنا خارج مَلَكة التخيّل الواسعة لدى الشاعر مراد القادري و التي تجعل منه لاعبا ماهرا داخل اللغة فضلا عن ثقافته العميقة التي جعلته يواجه مصيره الوجودي و يتصدّى للموت داخل قصائده و بذلك ينتصر للحياة و ينحاز للخطاب الشعري الذي يملك القدرة على تصفية حساب الإنسان في مواجهة الزمن، ” أليس الشعر قَتّالا جميلا ضد الزمن”؟ كما يقول الدكتور المغربي نَجيب العُوفي (11).