صلّيت تحت شجرة


*سعيد الشيخ


خاص ( ثقافات )
1- النافذة
حافّة النافذة واطئة، طول قامة الطفل أعلى منها. لذلك أوصى الزوج زوجته بأن تظل النافذة مغلقة من أجل سلامة الطفل.
لعبة الطفل اليومية أن يركض من عند باب الغرفة وحتى النافذة، يضع يدية على الحافة ويستدير إلى الخلف، وهكذا دواليْك.
صباحا فتحت الزوجة النافذة لتتواعد مع جارها الواقف عند النافذة المواجهة ونسِيَت أن تغلق نافذتها.
عند منتصف النهار عاد الطفل من المدرسة وراح يركض نحو النافذة، وضع يديه على الحافة ولم يستدر.
2- قطار الليل
عبثاً أحاول أن أتبيّن ضوءاً يلمع في الجنبات عبر نوافذ القطار الذي يمضي منذ نصف ساعة دون توقف عند أي محطة … هل أكون أخطأت في إتخاذ القطار الصحيح الذي يمضي بي إلى بيتي، ولكن كيف يحصل ذلك وأنا معتاد منذ سنوات على أن أستقل هذا القطار في هذا الموعد للعودة إلى البيت بعد نهار طويل من العمل.
بالعادة ينطلق القطار من المحطة المركزية عند العاشرة مساءاً وهو يعجّ بسكان الضواحي، ولكن هذه المرة وبعد دقيقتين من خروجه من المحطة أُطفئت الأنوار في المقصورات وعمّ الظلام الدامس. ساد صمت المسافرين؛ وما من إشارة ظلّت تدلّ على المكان، ما من صفير ولا صوت آلات ولا إهتزاز. صوتي لا يخرج من داخلي وأحرك يداي أمامي لعلهما تلامسان كائن بالقرب مني، لكنهما تظلان تلوحان في الفراغ. أين ذهب العجوز الذي شاركني نفس المقعد؟ أين إختفت المرأة التي جلست أمامي مع طفليْها، أين بقيّة المقاعد التي عادة تكون في الأمام وفي الخلف وعلى الجنبات … بل؛ أين القطار؟
إلى أين مضى في الليل المدلهم … هل تراه ذهب بنا إلى العدم؟ 
3- طائفية
حان وقت صلاة الظهر وأنا في مدينة بعيدة عن مدينتي قصدتها منذ الصباح الباكر لقضاء بعض الاعمال. توجهت إلى أقرب مسجد في طريقي لأداء الصلاة، عند الباب واجهني رجلان يبدوان على قدر من القوة لعضلاتهما المفتولة:
– أنت سنّي أم شيعي؟
استدرت إلى الشارع، وصلّيْت تحت شجرة.
3- أسياد وعبيد
إرتفع صوت الآذان في فضاء المدينة والسيد في السوق برفقة عبده خلف صفقة تجارية.
عند باب المسجد التفت السيد إلى عبده، قائلاً:
– أدخل وصلّ معنا، لعلّك تنال الحسنات.
وبلا تردد قال العبد:
– هل تمنحني حريتي إن صلّيت للخالق الذي خلقني وخلقك؟
صفعة.
4- رنين
إيقاعات خارقة كأنها تأتي من باطن التاريخ يوقعها مسير القافلة في الخلاء الصحراوي الممتد توقظ الحيّات في باطن الأرض، فتسمع القافلة صوت رنين الكنوز المدفونة وهي تُنقل من مكان إلى آخر.
5- نباح
ظلّت القافلة تسير والكلاب تنبح خلفها.
بعد سنوات وفي طريق العودة، كانت القافلة هي من ينبح، فيما الكلاب تسير في المقدمة.
ــــــــــــــــــ
* كاتب فلسطيني

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *