دور الإضاءة في صناعة الأفلام



إعداد: ج. ويسن/ تحرير: هيثر بيلي/ ترجمة: د. سعيد سلمان الخواجة


خاص ( ثقافات )
الإضاءة عنصر هام في التصوير السينمائي، وذلك لأنها تؤثر إلى حد كبير على الصور التي تلتقطها الكاميرات. وإضافة إلى ذلك، فإن الإضاءة تؤثر على المشاعر التي يتتم نقلها أثناء المشاهد. وهنالك لكل فليم مدير للتصوير والذي تكون مهمته صناعة المؤثرات الضوئية وحسب ما يشترطه المخرج. 
وتلعب الإضاءة في صناعة الأفلام دورا هاما في التقاط المشاهد السينمائية أو الفيديو. وبشكل عام، فإن مدير التصوير يعمل مع مشغلي الكاميرات وفريق الإضاءة لضمان تحقق الرؤية الكلية المطلوبة. ويمكن استخدام الإضاءة بعدة طريق، والتي غالبا ما تعزز أحداث المشاهد التي يراد إظهارها، وبشكل مرئي بصري، وتوضيح ما هو ضروري و/أو غير ضروري. وهناك طرق حيث يمكن للإضاءة أن تعزز من القصة، وذلك من خلال التمثيل البصري أو تعزيز الحركات في المشاهد. 
وتعرّف الإضاءة في صناعة الأفلام على أنها استخدام للعديد من أنواع الإضاءة في موقع أو عدة مواقع لاعطاء المشهد منظرا أو صفة معينة عند التقاطه من خلال الفيلم أو الفيديو. وبينما تنفذ الإضاءة غالبا من قبل فريق الإضاءة، إلا أن مدير التصوير غالبا ما يتحمل مسؤولية الإشراف على هذا العمل. وحيث أن مدير التصوير مسؤول عن طاقم الكاميرات (فريق التصوير) فإن هذا يسمح له بملاحظة الإضاءة وضمان توافقها مع كيفية تصوير الفيلم. وبناء عليه، فإن الإضاءة عنصر هام في الشعور بالمشهد وكيفية ظهوره على الشاشة. 
ومن إحدى الطرق الرئيسية لتوظيف الإضاءة في التصوير السينمائي تعزيز أو توضيح الحدث في المشهد. وهنا يمكن استخدام الإضاءة لتوضيح أفعال أو أشياء معينة في المشهد، علاوة على إظهار عناصر أخرى من الحدث. ومثال ذلك، إذا أراد شخص الوصول إلى بندقية موضوعة على طاولة في نهاية المشهد، يمكن استخدام الإضاءة لتسليط الضوء على البندقية طوال المشهد. وهذا يسمح للمشاهدين بمشاهدة البندقية قبل إظهار أهميتها، مع ضمان أن يدرك المشاهدون مكانها في نهاية المشهد وبما يسمح لهم بالتنبؤ بأهميتها في ذلك المشهد. 
ومن ناحية أخرى، فإن الإضاءة في صناعة الأفلام السينمائية تستخدم للمساعدة في تعزيز المحتوى العاطفي للمشهد. وهنا، يجدر القول بأن الإضاءة الصعبة/ القاسية (مثلا) غالبا ما تظهر المشهد بشكل مباشر أو على شكل حدث، بينما أن الإضاءة السلسلة غالبا ما تستخدم لإظهار مزيد من المشاهد الرومانسية أو العاطفية. وإذا استخدمت الإضاءة بشكل غير ملائم، فإن المشهد يكون غامضا أو لا يمكن المشاهد من إدراك الحدث. كما أن المشهد العاطفي أو مشهد الحب الذي يكون باستخدام إضافة قوية أو صعبة يخلق شعورا غريبا أو ملائم، بينما أن المشهد الدرامي القوي الذي تكون إضاءته سلسلة قد يخون الأحداث في المشهد ومن ثم يكون ضعيفا أو غير مؤثر. 
ولمعرفة الطرق التي من خلالها تشكل الإضاءة طرق استجابتنا للفليم، لنأخذ مشهدا من عمل (الفريد هيتشكوك، 1941) حيث الزوجة (جوانا) ترقد في سريريها بينما زوجها غريب الأطوار (كاري غرانت) يصعد الدرجات التي تؤدي إلى غرفة نومها، ويتقدم نحوها. وعلى إناء صغير يحمل قارورة حليب. إن المشهد يدعو إلى التساؤل عما إذا كان يحاول دس السم لزوجته. إن مثل عدم الثقة هذا لا يظهر من خلال الصورة الحقيقية للزوج، بل من خلال الظل الذي يكون مسلطا على قارورة الحليب، والتي تثير حالة من عدم الارتياح. 
وأصبحت الإضاءة عنصرا هاما في التصميم البصري السينمائي. وهي تلقى أهمية في صناعة الأفلام، وتخلق تأثيرا عاطفيا جوهريا. إن الاستجابة العفوية للظلام والضوء عنصر هام في علم النفس البشري والذي يستثمره مخرج الفليم بهدف التأثير على طرق استجابة المشاهد للتطور السردي في الفيلم. ومن الناحية الأخرى، فان الظلال العميقة تجعل الشخصية تظهر على إنها غير موضع للثقة أو تخفي مشاعر العدائية. ومن الناحية الثانية، فإن الإضاءة الساطعة توفر الارتياح والاطمئنان أو تخلق انطباعا ايجابيا. كما أن الإضاءة الساطعة قد تتسبب في حالة من عدم الارتياح، رغم أنها قد تستخدم كسلاح (كما هو الحال في فيلم: النافذة الخلفية، 1954) و (الكومبو الضخم، 1955) حيث تؤدي إلى تطور الحدث لدى الشخصيات بشكل واضح. 
وإضافة إلى ذلك، فإن السطوع يمثل أحد متغيرات الإضاءة التي تسهم في التأثير على المشاهد. كما أن خيارات صانع الأفلام هي التي تبين أنواع الإضاءة التي يجب استخدامها، وكيفية استخدامها، ومكان وضع أجهزة الإضاءة. وكذلك الحال، فان الأفلام الملونة وأفلام الأبيض والأسود تسمح باستخدام العديد من مؤثرات الإضاءة. ومن هنا، فإن الإضاءة الملونة تعطي سلسلة من الانطباعات التي تستخدم بشكل منتظم طوال عملية تصوير الفيلم وتوضح بيئته (كما هو الحال في فيلم باتمان، 1989)، أو لتوضيح أهمية مستعارة (مثل فيلم فيرتيوغو، 1958) حينما ينمكن (سكوت/ جيمس ستيوارت) من إقناع جودي (كيم نوفاك) بتحويل مظهرها إلى شكل (مادلين الميتة/ نوفاك). وعندما تظهر من الحمّام وقد تشكلت بصورة مادلين، كانت قد استحمت بإضاءة خضراء (مغطاة بالإضاءة خضراء اللون)، وتبين مع تعديله على شخصيتها. 
أهداف الإضاءة في الأفلام: 
هنالك ثلاثة أهداف رئيسية تحققها الإضاءة عند تصوير الأفلام وهي:
وضوح الصورة: حيث ضرورة أن يتمكن المشاهدون من التعرف على جميع العناصر الهامة في إطار / محتوى الفيلم. وهذه تتراوح ما بين تعابير الوجه والايحاءات الجسدية وما بين ظهور حوارات ذات أهمية. وفي بداية الأفلام السينمائية كان هذا هو الهدف من الإضاءة، ولكن وفي العام 1905 تقريبا، ظهرت عوامل أخرى على السطح. 
نقل المشاهد إلى صورة واقعية عن أحداث الفيلم: تبدأ الأفلام بالتعريف على المخططات البصرية التي تشير أن الإضاءة تتأتى من مصادر منطقية في بيئة تصوير الفيلم. كما أن استخدام المؤثرات الضوئية (كما كان شائعا في السابق) قد مهدت السبيل لتحقيق الهدف الثالث، وهو: 
خلق مناخ أو مؤثرات عاطفية. وأصبحت تقنية الإضاءة عنصرا هاما في صناعة الأفلام من أجل التلاعب بالمشاهدين بشأن استجابات الشخصيات والأحداث السردية. كما تستخدم تقنيات الإضاءة الحديثة لتوضيح مواقف درامية معينة. 
تقنيات الإضاءة ونمط الأفلام 
توجد علاقة تبادلية بين التكنولوجيا ونمط الأفلام. كما أن تطور أنواع مختلفة من معدات الإضاءة وإدخال معدات جديدة لتصوير الأفلام قد وسع من مجال طرق الإضاءة والمؤثرات المتوفرة لصناعة الأفلام. وهناك العديد من أنواع الإضاءة ووحداتها والتي تم تطوير لغايات تختلف عن تصوير الأفلام، مثل إضاءة الشوارع أو دوائر البحث. ورغم ظهور أنماط معينة للاضاءة في عمليات تصوير الأفلام كاستجابة للتقنيات التي توفرت، إلا أن هنالك العديد من الابتكارات التقنية التي ظهرت نتيجة لتجارب مصوري الأفلام ومحترفو التصوير. إن اسم (مؤثرات الإضاءة) مشتق من استخداماته الأولى في صناعة الأفلام. ومن أمثلة ذلك (أوبي Obie) وهو بقعة ضوء صممها مصور الأفلام (لوين بالارد، 1908 – 1988) أثناء تصوير مشاهد فيلم (اللودجر، 1944) وذلك بهدف إخفاء ندبات كانت ظاهرة على وجه الممثلة (ميرلي اورسون). 
وفي السابق لم يتبنى صانعو الأفلام سلسلة من الإضاءة الصناعية التي تتوفر في استوديوهات التصوير بل استخدمها المصورون من أجل تعزيز المنظر الجمالي لعملهم. وبدلا من ذلك، فقد اعتمد صناع الأفلام في الغالب كليا على سطوع إضاءة النهار. ولهذا السبب، لا يتم التقاط الأفلام في موقع باستخدام معدات محمولة، أو في الاستوديو سواء في الهواء الطلب. 
وقد اعتمد استوديو (بلاك ماريا) الذي أنشأه ثوماس أديسون (1892) على بنية دوّارة تسمح للسقف الزجاجي بأن يتبع بشكل مباشر لاضاءة الشمس. أما استوديو ( Green House) والذي أنشأه صانع الأفلام الفرنسي Peroges Melies, 1861- 1938 على تصوير سقف زجاجي وجدران وسلسلة من المشاهد التي كان لها تأثير كبير على تصميم الاستوديوهات لاحقا. 
استخدام الإنارة النهارية
وهي تشكل مصدرا رئيسيا للإنارة شريطة توفر عنصر الوضوح. وهذه لا تسمح بتوفر الكثير من الفرص لخلق مؤثرات درامية مقارنة بالإضاءة الصناعية. كما أنها لا تسمح بالتصوير السينمائي داخل الغرف أو أثناء الليل (المشاهد الليلية). وتعود استخدامات الإضاءة الصناعية إلى عام 1896، حينما قام صانع الأفلام الالماني Oskar Messter, 1866- 1943 بافتتاح استوديو داخلي في برلين. وبحلول العام 1900، بدأ استوديو أديسون في الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام الإضاءة الطبيعية لاستكمال الضوء الطبيعي المتوفر. ومن أمثلة ذلك، تصوير فيلم Why Jones Discharges His Clerks, 1900 وفيلم The Mystic Swing,, 1900. 
وكان أول مصدرين رئيسيين للاضاءة الصناعية يستخدمان في ذلك الوقت. ومن أحد تلك المصادر الإضاءة القوسية، والتي تعطي إضاءة من خلال سطوع كهربائي والقفز بين قطبين من الكربون. أما النوع الآخر فهو الاضواء/ المصابيح البخارية، والتي كانت تعمل بطريقة تشبه مصابيح اللفورسنت المستخدمة حاليا. وأدى هذين المصدرين إلى خلق إضاءة مباشرة، مما يعني اضاءة منطقة معينة بشكل أكثر سطوعا من مناطق أخرى. 
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، استمرت التجارب على مؤثرات الإضاءة، سواء داخل أو خارج المنازل/المباني/الأبواب. وهناك سلسلة من التقيات التي تم اكتشافها، رغم عدم ظهور ابتكارات تقنية هامة إلا في سنة 1910. وكان مدير الانتاج D. W. Griffith, 1875- 1948 ومدير التصوير فاعلون في استكشاف مؤثرات الإضاءة، والتي ظهرت في أفلام مثل Pippa Passes, 1909، وفيلم The Thread of Destiny, 1910 و Enoch Arden, 1911. وكان من أواخر تلك التقنيات ما يعرف باسم مؤثرات الإضاءة السلسلة على الوجوه عن طريق استخدم انعكاسات لاعادة توجيه الضوء القاتم الشديد. 
وخلال النصف الأخير من العام 1910، تبنى صانعو الأفلام اثنتين من التقنيات الهامة والمشتقة من أشكال فنية أخرى. أولها: الأعمدة الكربونية (بقع الضوء)، والتي كانت تستخدم سابقا في المسرح وتسمح بزيادة الإضاءة الموجهة عن بعد إلى ممثل معين أو منطقة محددة. والثانية: الشاشات التي تنشر الضوء، والتي تنتمي إلى المصور الثابت. ويمكن استخدم هذا النوع من الإضاءة لتحويل ضوء ساطع جدا إلى ضوء سلسل لا يعكس الظلال. وكل هذه تؤدي إلى تحقيق فوائد في تصوير تعابير الوجه، وتقليل المؤثرات. 
وفي العام 1947، ظهر اختراع إضاءة جديد والذي جاء استجابة للتقنيات التي كانت تستخدم لتصوير الأخبار أثناء الحرب العالمية الثانية (لتصوير إطلاق النار والمعارك). إن إطلاق النار والمعارك الحربية لم تسمح لصانعي الأفلام من خلق إضاءة معقدة؛ بل اعتمدوا على الانارة النهارية، أو على أضواء ومصابيح تحمل باليد. ومن الأمثلة على الأفلام التي ظهرت خلال تلك الفترة: Boomerang, 1947, and Call Northside, 1948. 

أما حقبة الخمسينيات، فقد شهدت تطورا لتقنيات الإضاءة والتي تميزت عن أفلام الثلاثينيات والأربعينيات. ومن أحد اسباب ذلك اتساع شهرة الأفلام الملونة، واستخدام معدات وأجهزة مختلفة في التصوير. وتعزى بعض التغيرات في تقنيات الإضاءة في الخمسينيات إلى التوسع السريع في الانتاج التلفزيوني. وقد اعتمد التلفاز بشكل كبير على استخدام عدة كاميرات للتصوير المباشر في الاستوديوهات. ويتلاءم نمط الإضاءة بشكل أفضل مع نمط الانتاج الذي يوفر سطوعا، وإضاءة كلية. 
ويتمثل التغير الأكثر أهمية والذي حدث في أواخر القرن العشرين إدخال أضواء HMI- Hydragyum Medium Arc- Length Iodide ، وهو أحد أشكال المصابيح التي تحتوي على غاز الهالوجين ومعدلة بدرجة حرارة ملونة لمواجهة أشعة الشمس. واشترت هذه التقنية طوال حقبة الثمانيات, وما زالت وسائل ومعدات الانارة تعتبر واحدة من الأشكال الشائعة في تصوير الأفلام حاليا، سواء داخل أو خارج الأبواب، وهي سهلة الاستخدام، وتستهلك القليل من الطاقة مقارنة بكمية الإضاءة التي تنتجها. 
وفي بداية القرن الحادي والعشرين، فقد بدأ اختراع السينما الرقمية إلى إحداث تأثير كبير على متطلبات الإضاءة وبحسب نوعية صناعة الأفلام. وتستطيع الكاميرات الرقمية إنتاج صور واضحة وبمستوى قليل من الإضاءة المتوفرة. وقد نال هذا الاختراع شهرة كبيرة في تصوير الأفلام الوثائقية. وعلاوة على ذلك، فإن مثل هذه التقنية تستخدم في إضاءة مسارح دور عرض الأزياء، وفي الرسم، وأفلام الكوميديا، والدراما، والاساطير، وفي مجال وإظهار الجماليات. 
____
المراجع
-Camera; Cinematography: Crew; Film Stock; Production Process: Technology. 
– Bordwell, David, Janet Staiger, and Kristin Thomson.The Classical Hollywood – Cinema: Film Style and Mode of Production to 1960. New York: Columbia University Press, 1985.
– Higham, Charles. Hollywood Cameramen: Sources of Light. Bloomington: University of Illinois Press, 1970.
– Lo Brutto, Vincent. Principal Photography: Interviews with Feature Film Cinematographers. Westport, CT: Praeger, 1999.
– Lowell, Ross. Matters of Light and Depth: Creating Memorable Images for Video, Film, and Stills through Lighting. Philadelphia: Broad Street Press, 1992.
– Malkiewicz, Kris. Film Lighting: Talks with Hollywood’s Cinematographers and Gaffers. New York: Prenctice-Hall, 1986.
– Rasheed, Z., Y. Sheikh, and M. Shah, “On the Use of Computable Features for Film Classification.” IEEE Transactions on Circuit and Systems for Video Technology15, no. 1 (2005).
– Salt, Barry, Film Style and Technology: History and Analysis.2nd ed. London: Starword, 1992. Original edition published in 1983.
– T-Men(1947), Raw Deal(1948),He Walked by Night(1948),An American in Paris(1951),The Big Combo(1955),Visions of Light: The Art of Cinematography(1992)
_________________
*المصدر: www.wifegeek.com / تاريخ النشر: 3 فبراير 2016.

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

تعليق واحد

  1. شكرا لهذه المادة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *