الفشل يعزز الإبداع


ترجمة : آماليا داود


خاص ( ثقافات )
” عندما يتعلق الأمر بابتكار عمل فني، الممارسة تجعله كاملاً ” الكاتب ماثيوسيد . 
بدأت كلية التصميم في الولايات المتحدة معرضاً جديداً حول الإبداع ، وأطلق عليه اسم” إذن الفشل ” وطلبتَ منظم المعرض من المشاركين إرسال المسودات والرسومات الأولية بغرض العرض .
ويبدو هذا أمراً غريباً ، معظم المعارض تضم أعمال فنية منتهية ، لكن هذا المعرض هدفه الوصول إلى الخصائص الفنية لمراحل الإبداع .
” الإبداع هو شيء نستطيع كلنا أن نحسنه ، فهو يدور حول الشجاعة للتعلم من أخطائنا”/جيمس دايسون.
في تجربة قام بها ديفيد بايلز وتيد اولاند، جرى تقسيم الطلاب إلى مجموعتين : الأولى على أساس الكمية، والثانية حسب الجودة، وكانت نتيجة الأعمال كما يصفها بايلز واولاند بالمثيرة للشفقة :” فبينما كان أفراد جماعة الكمية يعملون بنشاط على أكوام من العمل، ويتعلمون من أخطائهم، كان أفراد جماعة النوعية يضعون النظريات حول الكمال، وفي النهاية كان جهدهم قليلاً بالمقارنة مع تفكيرهم، نظريات عظيمة مع كومة طين ميت “.
ولهذه التجربة كناية عظيمة؛ المخترع البريطاني جيمس دايسون الذي ابتكر المكنسة الكهربائية، لم يبتكرها بلمحة البصر، فقد وصف اختراعه على أنه مجموعة متدرجة من الأفعال والمحاولات الفاشلة، وببطء تحسن التصميم. 
في الواقع صمم دايسون 5126 نموذج فاشل قبل الخروج بالتصميم النهائي، ووصف الأمر قائلا:” يظن معظم الناس أن الإبداع ميتافيزيقي، وهذا يساهم في اعتقادهم أن الابتكار فقط يحدث مع العباقرة ، ولا يوجد خطأ اكبر من ذلك ، فيمكننا جميعاً أن نتحسن في عملية الإبداع ، بإدارك حاجته إلى خصائص معينة ، وفوق كل شيء، إنه الشجاعة على التعلم من فشلنا”.
وقام همنغواي بكتابة نهاية قصته ” وداعاً للسلاح عدة مرات تتراوح بين 41 الى 47 مرة ، فلم يكن همنغواي يؤمن بالعفوية ولا بالكتابة الأولى، بل بالتجريب والفشل والمحاولة”.
وفيلم الانيميشن ” العثور على نيمو” الخاص بشركة بيكسار التي أصبحت رائدة في مجال الإبداع ، إذ تبدو تلك القصص الرائعة التي تبتكرها الشركة كأنها قد وضعت بقدرة عجيبة من قبل عباقرة خياليين، لكن الفكرة عكس ذلك، بدأت بنقطة انطلاق أولى، ثم الذي حدث بعد ذلك هو المهم .
يتم تفكيك كل العناصر الموجودة ، فكل صورة أو فكرة أو إطار تتم إخضاعها للاختبار والنقاش والتكييف. هل يمكنك تخيل حجم العمل والفشل أثناء التحضير؟ ، الناس لا تعلم كم تكون المسودات رديئة في البداية ، وتحتاج إلى عمليات تكرار ، وإعادة صياغة ثم إعادة صياغة من جديد ، إلى أن تتكشف الخطوط المعيبة في الحكاية ، أو تجد شخصية ما روحها .
المشكلة في العالم الحديث أننا نريد أن نرى المنتج النهائي؛ الفيلم الرائع. الكتاب المدهش، وما لا يراه هذا العالم هو القصة الأعمق لظهور تلك الابتكارات ، ونفكر كيف صرخ أرخميدس ” وجدتها ” ، أو سقوط التفاح على نيوتن واختراعه على الفور نظرية الجاذبية .
وهذه القصص هي محض خيال ، وتفسر الإبداع بطريقة خاطئة ، فالبصيرة هي نقطة نهاية على المدى الطويل ، عملية تكرار بدلاً من نقطة البداية ، وعالم الأعصاب ديفيد اليغمان يصوغها في سر حياة الدماغ :” عندما تكون الفكرة غامضة ، تعمل عليها الدوائر العصبية لمدة ساعات أو أيام أو سنوات ، وتجمع المعلومات وتحاول الوصول إلى تركيبات جديدة”.
الإبداع مجموعة مراحل القرارات الخاطئة على طول الرحلة .
ولهذا السبب كلية الفنون حريصة على معرض الفشل والمنعطفات الخاطئة ، ولا يمكن أن يكون لهذا أهمية أعمق ، لأننا ما لم نفهم كيف يحدث الإبداع ، سيظل بعيد المنال ، الأطفال الذين يتعلمون التفكير في الفشل الإيجابي ، يصبحون أكثر إبداعا ومرونة ، ويعتبرون الفشل من الفوضى الخلاقة لا سبباً للتخلي عن العمل ، وينخرطون في تلك الإخفاقات ليتعلموا منها ، ولتطوير رؤى جديدة وفضول أعمق من أيّ وقتٍ مضى .
” أجرؤ على الفشل” شعار قوي؛ وهذا لا يعني أن يكون هدفك الفشل ، بل تقدير المفارقة التي يقوم عليها الإبداع ، وقد قامت العديد من المنظمات العالمية بتهيئة الظروف لتمكين الفشل، حيث تدور تلك التجارب على اختبار الأفكار؛ لمعرفة عيوبها والانتقال إلى رؤى جديدة .
كما يقول أندور ستانتون مدير فيلم العثور على نيمو:” لقد كانت استراتيجيتي دائماً: أن أكون على خطأ بأسرع وقت ممكن ، وهذا يعني أن أفشل ، ودعونا لا نخاف من ذلك. لن أصيب هدفي من المرة الأولى، لكن سأكون مخطئاً بشكل سريع وبوقت قليل”.
_________
المصدر bbc

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *