الإبداع الروحي


*د.مولي س. كاستلو/ ترجمة : آماليا داود


خاص ( ثقافات )



الإبداع هو نتيجة تجربة روحية ونحن جميعاً جزء من حقل طاقة كهربائي كبير ،والطاقة الإبداعية تجعلنا أقرب إلى الانسجام مع النظام البيئي ،هذا ما كتبته الفنانة جوليا كاميرون.
عندما نصنع شيئاً جديداً ،كتوليد المفاهيم أو بناء علاقات جديدة بين روابط موجودة ، نشغل شرارة “النظام البيئي ” الذي يضعنا في وضع التوافق مع النظام الطبيعي للكون .
وفعل الإبداع الفردي يجعلنا أكثر ارتباطاً مع الخالق العظيم ،كاميرون تقترح أن فكرة الله هي فعل وعمل وليس مجرد اسم.
القدرة على الإبداع موجودة في كل شخص منا : في الفنانين وغير الفنانين على السواء،يسمي الطبيب النفسي د.و وينيكوت هذه القدرة الإنسانية الفطرية “الحياة الإبداعية” ، ويقترح أن الإبداع لا يتطلب أي تدريب خاص أو موهبة .
إن التحدي الذي نواجهه طول العمر هو إيجاد سبل تحرير هذه الطاقة المُحَرِّكَة واستعادة الشعور بالأمان.بعضنا بدل من أن يتطور وينمو في طفولته،يتم إحباطه من قبل الآباء الخائفين ،والأشقاء أو حتى الأصدقاء المقربين،الذين انتقصوا من واقعنا وأطفأوا الثقة بالنفس، ولذلك تسللت أفكار محبطة :
“أن تكون فناناً هو غرور،وصبياني،وأناني، انغماس في الملذات”تقول كاميرون .
و تضيف كاميرون أنه تم إحباط الجميع إلى حد ما ،تشير إلى علامة منبهة واحدة :الحسد ،هل تستاء من الفنانين أم تفكر بنفسك :”أستطيع أن افعل هذا ؟ لماذا يحصلون هم على كل الاهتمام ؟ وتشارك كاميرون قائمة واسعة من الاعتقادات المعوقة التي تقف في طريق الإبداع ومنها :
“يجب فقط أن أضع الماضي وراء ظهري ، أنه فقط حلم ، فلن يدفع الفواتير”.
حذار من كلمة “فقط” إنها تتغلغل بغفلة وبدون وعي إلى التعبير، وتقلل من شأن المشاعر، وتعني إمكانية معالجة مشكلة عاطفية بإرادة حديدية،بدلاً من العمل الجاد على التأمل الذاتي (ألين و ميونيخ 2005).
كلمة “فقط” تمنعنا من مواجهة الواقع بشكل مباشر ،وتقلل أيضا من احتمالات الاستكشاف الإبداعي ، ويمكنها ردع الشخص من الحصول على المساعدة التي يحتاجها ليقوم بالتغييرات الإنتاجية التي تؤدي إلى العيش بعفوية وتؤدي إلى استمرار معالجة الصحة العقلية عندما تواجه ما أسمته كاميرون “الجروح العاطفية “. 
تغذية الإبداع يبدأ من رعاية نفسك ،وتقول كاميرون “إبداعي يشفيني و الآخرين “،فعندما تسمح لنفسك بأن تفكر بأفكار جديدة وإنشاء روابط مبتكرة فأنت تخلق مسارات في الدماغ تستطيع من خلالها القوة العقلية أن تتدفق .
ومن منظور علم الأعصاب، الإبداع العقلي يجمع المعلومات في الفص الجبهي بطريقة مختلفة ،تجاربنا ومشاعرنا والشعور بالذكريات ، تنقلها الدوائر العصبية في مناطق أخرى من الدماغ ،ويتم معالجتها بشكل مختلف ،وهذا ما يقودنا إلى توسيع المعرفة ، ويصف الدكتور آرني ديتريك أستاذ علم الأعصاب الإدراكي في بيروت لبنان أن الإبداع يستفيد من “المرونة الإدراكية “،والتفكير فيما وراء الأنماط المألوفة.
ويصف بعض علماء النفس عملية التفكير التي تتوسع في اتجاهات متعددة بـ”التفكير التباعدي”، الذي بواسطته يتم اكتشاف العديد من الحلول المحتملة لمشكلة معينة ،وهذا نقيض “التفكير المتقارب”الذي يتتبع تسلسلا محددا سلفاً للوصول إلى خطوات “صحيحة” لحل المشكلة ،بينما التفكير التباعدي غالباً ما يتضمن الاختيار بين خيارين وبذلك يربط بين أشكال ثنائية الفكر أو الإمكانيات ،ويمكن أن تكون مهارة مفيدة للانضباط في الرياضيات و العلوم والقرارات الأخلاقية “الصحيح” أو “الخطأ”.
في طريقته المتواضعة ،يقدم لنا وينيكوت عبرة من التذوق كمَثَل للفعل الإبداعي في الحياة اليومية ، فيمكنك أن تطبخ عجة البيض مستعيناً بوصفة معينة ،أو يمكنك أن تخرج المكونات وتطبخ العجة على الفطرة .
“يمكن أن تكون النتيجة نفسها في أي مناسبة ،لكن الحياة تصبح أكثر متعة بالعيش مع طباخ مبدع ، حتى لو كان الطعم أحياناً سيء أو كارثي أو مضحك … “، وبالنسبة للأفراد هاتان التجربتان مختلفتان تماماً ففي الحالة الاولى هناك الامتثال والخضوع للسلطة الخارجية ،بينما في الثانية يفتح الطاهي مساحة تجريبية من داخله ، ويصف وينيكوت التجربة الثانية للطاهي بأنها أكثر واقعية وحيوية :هذا الشخص يمكن أن يخاطر ويثق بأصالته الخاصة المدهشة .
ومهما كانت النتائج لتلك العجة ،على الفرد أن يمتلك القدرة على اقتراف الأخطاء والفشل ، وهذه اللحظة التي يتجاوز عندها الشخص قيوده الخاصة ويصبح جزءاً من شيء أكبر ، وهذا ما تصفه كاميرون في استعارة عن العمل من الإيمان: 
“اقفز ، وسوف يظهر الصفاء”.
المصدر psychologytoday 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *