الكتابة الابداعية كما أراها:
23 خلاصة تصلح للكاتب الجديد والمحترف*
يحيى القيسي
بدأتُ الكتابة الاحترافية أي النَّشر في الملاحق الأدبيَّة المعروفة في الساحة الثقافية الأردنية والعربية منذ العام 1988، وعبر هذه السنوات الطويلة تنقلت من القصة القصيرة إلى الرواية إلى الكتابة للتلفزيون وخصوصاً الأفلام الوثائقية، والكتابة الصحفية في ما يتعلق بالحوارات الأدبية، والتغطيات للمعارض التشكيلية، وللمهرجانات الفنية، ومارستُ أيضاً الكتابة النقديَّة للأفلام السينمائية، إضافة إلى عروض الكتب والكتابة النقدية لها خصوصاً في مجال الأدب، هذا إلى جانب الكتابة البحثية المُتخصّصة في نقد الفكر الديني والتصوّف، وآخر خبراتي هي التحكيم لجهات ثقافية عربية معروفة بشأن بعض الجوائز أو الكتبٍ.
لهذا عبر نحو 37 سنة من الكتابة المتواصلة وصلتُ إلى خلاصات تتعلّق بالكتابة الإبداعية. هنا 23 توصية منها أوصي بها نفسي أولاً، ثم من يرغب من الجيل الجديد في التورط بالكتابة الإبداعية، حتى إنّها تصلح للمحترف الراغب بالتعرف على ما توصلت إليه في هذا المجال، فقد يجد أنها تتفق كثيراً معه أو تتنافر مع توجهاته، فلكل مشربه، ومنابع إبداعه وقناعاته:
-
الموهبة تأتي أولاً والرغبة الحقيقية في الكتابة، ثم يروم المرء الصقل والتدريب لهذه الموهبة. لا تحاول أن تجبر نفسك على الكتابة الابداعية، رُبّما تُصبح كاتباً، ولكن ليس كاتباً مبدعاً، فأنتَ تعلمت “صنعة الكتابة” فقط.
-
القراءة ليست هواية عند المبدع بل ضرورة، إنَّها النَّبع الذي يمتحُ منه الكاتب، ومن لا رصيد عنده من لغةٍ ومصطلحاتٍ وتعابير وخبراتٍ لآخرين كيف سيبدأ؟
-
الخيالُ مسألة أساسية وليس ترفاً. أنت لست مجرد ناقل للواقع، فهذا عملُ الصُّحفي أو الفوتغرافي، بل عليك أن تبحث لك عن فضاءات قصيّة وشاسعة وغير تقليدية من خلال الخيال الجامح.
-
التجنيس للكتابة “قصة، شعر، نص، …..” ليس مهمّاً في البداية، بل الدفقة الشعورية والابداعية بشكلها البدائي، ولاحقاً تتّخذ الشكل الذي يناسبها، والمسرب الذي ترتاح فيه.
-
لا تحاول أن تُقلد كاتباً إن نجحَ أو اشتهر في أمرٍ ما، فما يصلح لغيرك قد لا يصلح لك. (موضة أحلام مستغانمي، أسامة المسلم، أيمن العتوم..الخ) مثلاً.
-
احرص على الكتابة الحارقة لا المائيّة. الماء غير قابل للاشتعال وبلا لون ولا طعم ولا رائحة، بعض السوائل الأخرى قد تكمن فيها خاصية الاشتعال عند أي ملامسة. هناك كتابة ساكنة لا حياة فيها تشبه الدُّمى البلاستيكية، جميلة من الخارج ومتقنة لكنها بلا حياة. وهناك كتابة لها طعم حرّيف، قلقة ومقلقة، وغير مستقرة، تنبض بالحياة، وقابلة للاشتعال. إحرص على هذا النوع.
-
ابتعد عن الجمل المُعلّبة، أوالكلاشيهات، وحاول إن صادفتك واضطررت إلى توظيفها أن تقوم بتبديل طاقة كلماتها لتعطي معانٍ جديدة. مثلاً: أكل الدّهرُ عليه وشرب..لو وضعت (ونام) بدلاً عن وشرب لتبدلت طاقة الجملة التقليدية وخرجت من مجال التعليب إلى الطزاجة، هناك أيضاً عبارة مثل: “أرخى الليلُ سُدوله”، ضع “أستاره” مثلا، لوجه الحقيقة، قل (أو لبطنها) لم لا؟
-
لا تشرح ما هو واضح: الثلج (الثلج الأبيض، أو الثلج البارد) إضافات سقيمة. سال الدم الأحمر القاني من وجهه. هل هناك دم أخضر؟
-
عامل شخصياتك بديموقراطية، لا تقمعها أو تُجبرها على عمل شيء لا يتَّفقُ مع طبيعتها. إن كانت الشخصية ذاهبة إلى الحانة لُشرب الخمر مثلاً فدعها تفعل ذلك، لا تُجبرها على شُرب الشاي أو الميرمية في مقهى. وإن رفضت الشخصية الاستيقاظ لصلاة الصبح لأي سبب من تمرّد وجودي أو كسل فدعها تواصل نومها.
-
إن كنت تكتب رواية تاريخية أو علمية أو فيها معرفة فالأفضل لك أن تشتغل على الجانب البحثي أولاً، وتتمكن من المعلومات التي تقدمها، قبل الزَّج بالشخصيات في أماكن وأجواء أنت نفسك لا تعرفها.
-
درّب نفسك على الكتابة الأوتوماتيكية، أي ذات التدفق المتواصل، ولا تقطع نفسك أثناء الانثيالات التي تملأ رأسك، وترغب بصبها على الورق. قد لا تأتي لحظة الالهام هذه مرَّة أخرى.
-
فن الحذف أمرُ مهم جداً. لا تخضع لشهوة الكتابة وأنَّ كل ما تكتبه مقدس ويجب أن يبقى. حاول أن تشطب الزوائد، وتنظف جسد الكتابة مما علق بها، التشذيب مسألة تعطي جمالاً ورونقاً للنص حتى لا يترهّل ويصبح فضفاضاً. الكتابة الصحفية تعلم فن الحذف لاحظ عناوين الصحف وكم هي مختزلة وتدل على الكثير في كلمات قليلة.
-
لا تفترض أنَّ القارىء غبيٌ، بل عامله على أنَّه ذكي وقادر على ملء الفراغات، والمشاركة بإعادة كتابة النص عبر القراءة. لا تُخبره بكلّ شيء، التلميح مفيد وضرروي للتخلص من المباشرة الفجَّة.
-
حاول ككاتب للنص أن تتخفّى خلفه، ودع الشخصيات هي التي تتحدث بحرية، ولكن إياك أن تطل برأسك لتقدم النصائح، وتقول إنَّ قصدي هنا كذا أو كذا، أو إن ما تقوم به الشخصيات في نصوصك تخضع لما يجوز أو لا يجوز أخلاقياً.. ابتعد عن التدخّل بالنّص وكن محايداً ومتوارياً قدر الامكان.
-
انتبه إلى حوار الشّخصيات الخارجي، ولا تتردد في أن يكون باللهجة المحلية إن كان ذلك مناسباً. قدّر الظروف التي يتم فيها الحوار وطبيعته، وإن كان لشخص كبير أو طفل صغير أو مثقف أو عامل. لا تُحمّل الشخصيات ثقافتك الخاصة عند الحوارات بل دعهم يتكلمون بأريحية حسب طبيعتهم.
-
إن قمت بتوظيف تقنيّة الراوي العليم فلا تكن مُبالغاً فيها، أنت لست إلهاً تطلع على كلَّ شيءٍ في الدَّاخل والخارج والأفكار والرَّغبات..الخ. دعنا نُخمن كمتلقين أكثر ممّا تعطينا من معلومات.
-
إن قمت بتوظيف تقنية الأشياء التي تتكلم من وجهة نظرها، القلم مثلاً في يد الكاتب، الملابس، الحصان، المرآة، فلتكن هذه التقنية مناسبة في المكان نفسه، وما حوله، لا تحاول أن تجعل حماراً ينقل وجهة نظر صاحبه عن الحب مثلاً، أو أن يتجوَّل قميص في أرجاء البيت ويرى أبعد من مكانه، حتى الفانتازيا لها حدود فلا تسرف. (لا تقع فريسة المدرسة الهندية للأفلام).
-
إن رغبت بتخطي التابو السياسي أو الجنسي أو الديني فليكن ذلك لسبب وليس عبثاً، إذ يجب أن يضيف هذا الأمر لنصك، لا أن يكون عبئاً عليه. تذكر دائماً أنّ الناس غير معنية بمشاهدة ما يجري في غرف النوم، أو التفاصيل البيولوجية التي يمكن أن تقدمها أفلام البورنو. لهذا لا تبع المتلقي بضاعة مغشوشة أو مجترَّة أكل الدهر عليها ومات.
-
لا تورط شخصياتك بمعلومات لا تناسب أعمارهم، من غير المنطقي تحميل الأطفال معلومات جامعية، أو “معارف لاحقة” سوف يتعرفوا عليها بعد سنوات طويلة.
-
ابتعد عن الشخصيات النمطيَّة، فليس كلَّ مجنون في القرية يكون حكيماً، وليست كلّ أم تكون قدّيسة، ولا كل مختار يكون خائناً، وليس كلَّ رجل طعن في السن يكون مجرّباً، فلا تنسى أنَّ التقدم في العمر قد لا يتبعه تقدم في الحِكمة وتطوّر، فالكثير من الأغبياء يتقدمون في العمر أيضاً.
-
لا تحاول أن تُقلد طقوس غيرك في الكتابة. اخترع طقوسك الخاصة، فلكل أديب تفاصيله الحميمة وأجوائه المبتكرة، وطريقته في الكتابة، وقد لا تنفع معك. الشاعر الشهير محمود درويش مثلاً كان يستيقظ صباحا ويحلق لحيته ويتعطّر ويلبس بدلته ويتأنق ويجلس على كرسي مكتبه بانتظارالكتابة. بالنسبة لك قد تكتب في باص أثناء انتقالك من مكان إلى آخر أو في أجواء صاخبة أو هادئة. اتبع طقوسك الخاصة أو حتى ليس شرطاً أن يكون لك طقوس، فقد تكتب في أجواء مختلفة، ولديك المرونة على فعل ذلك.
-
يمكن لك بكتابتك أن تنير شيئاً من العتمة في هذا العالم، وأن تنتصر للحق، وتنشر الجَمال، ويمكن أيضاً أن تكون كتابتك كئيبة وسوداوية وغارقة في الحضيض، لهذا حاول أن تكون من الصنف الأول، فالعالم لا تنقصه البشاعة.
-
تذكر في النهاية أن الكتابة نوع من “الخَلْق” أو الابداع للكلمات والجمل بشكل مقصود، ولا يحتمل العبث فيه أو اللعب المجاني. “نون والقلم وما يسطرون”، وهذا قسم عظيم لو تعلمون، وصفة الله الخالق قد تتجلّى على بعض البشر عند الكتابة، وهو سبحانه أحسن الخالقين، فلتكن نيتك صادقة إذن للكتابة.