لقاء عابر


*ناصر الريماوي


خاص ( ثقافات )


على التماع نضارة الجبين، وصوت المرأة التي استوقفتني، حدقتُ لوهلة، أقسم انني التقيتها ذات زمن… لكن أين ومتى؟
– أنتَ!؟ بلى… أنتَ هو، تأملتني ملياً، ثم قالت في أسى : لقد تغيرتَ كثيراً…!
أهذا ما يفعله الزمان بنا!؟ لم غبتَ عنّا كل هذه السنين، كيف وأين؟ 
– اعذريني سيدتي، أخشى أنني لم أتذكر جيداً؟ فالعتب جدير بالذاكرة، فهي قد تخون شباناً،
فما بالك بكهل مثلي؟
– حقاً …؟ وهل تبدّلتْ ملامحي إلى حد الالتباس؟ أنظر إليّ… اخلع نظارتك السميكة، كي تراني جيداً…
– لا أميّز بين الأشياء والناس من دونها، وهذا التقوّس في قامتي يحول بيني وبين مواصلة التحديق في كل شيء، فاعذريني…
– أحقاً لمْ تعرفني… سأبكي؟ خَفَتَ صوتها وتهدج وهي تلمُّ ابتسامة تناثرت عن ثغر أقسمُ أنني حفظتُ أحاديثهُ كلها ذات يوم، لكن أين، ومتى؟ 
– متى التقينا سيدتي، أقصد أي زمن جمعنا قبل هذا اليوم؟
(هزّت رأسها بمرارة ) 
– دار الشّعر والقصة… الأمسيات الحافلة بالندوات بين “محترف رمال” و مقهى “ركوة عرب”؟
– مررت بهذه الاماكن ذات يوم سيدتي، لكن الوجوه – وبعد كل هذه السنين- قد اختلط الكثير منها ولم أعد أميز بين الملامح وأصحابها…
– طيب…، شاعر السّفر وقصائد الغربة التي حفظنا عنه أكثرها، “نايا” الجميلة بين لوحاتها المشغولة “بالأكرليك” على جدران “جاليري” رؤى، و”رهام” بتلك العيون الدامعة في انتظاراتها العبثية من خلف زجاج مقهانا القديم…؟
– أما الأخيرة، فاذكرها تماما، لكن الاسباب تقطعت بيننا… منذ ثلاثين عاما لم أسمع عنها خبراً واحدا عنها، فمن انتِ سيدتي؟
– ما الفائدة… ما الذي بقي لنقوله أو لنستعيده في هذه اللحظه؟ لك أن تعتبر أننا لم نلتق ولم تجمع بيننا هذه الصدفة عزيزي، فهذا أكثر رأفة بنا !!
– لا، لا… فهذا سيعذبني أكثر، من الصعب على كهل مثلي أن يستنفد سكينة أيامه الباقية، في تخمين كهذا…!
لم تمهلني لأعدّد على سمعها أسماء حفظتُها عن زمن ضبابي، أكملَتْ طريقها، وكأنها تحدّثَتْ لشخص لم تعرفه، عجزتُ عن اللحاق بها، لمحتها تمسح دمعة، ثم تغيب خلف غلالة الشارع الطويل، واصلتُ بخطى وئيدة، أتلمّس طريقي المعتادة نحو الحديقة العامة لقضاء بقية النهار بمفردي … تعثرتُ هناك بكل الأسماء التي تمرّدت على هامة الصور، كلها، ولم أعثر لتلك السيدة على مفردة واحدة، سوى اأني رحتُ أغبطها على تلك الذاكرة… إذ كيف يمكن لإنسان أن يجمع في زمن كهذا بين اسم وصورة لإنسان آخر … كيف!؟ 
_____________
*قاص أردني. 

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *