خوسيه يّرو: الأمواج نادتني حتى أعماقها


*ترجمة عن الإسبانية: عبد الهادي سعدون



خوسيه يّرو José Hierro: (مدريد 1922 ـ 2002)، له تأثير كبير في الشعرية الإسبانية المعاصرة. من جيل ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية ضمن ما سمي آنذاك الشعر الاجتماعي المعروف بنزعته المعارضة للحكم الفرانكوي. بقي مهمشاً طوال فترة الديكتاتورية، ونال كل التقدير مع قيام الديموقراطية في إسبانيا عام 1975.

حصل على أغلب جوائز الأدب في إسبانيا وأميركا اللاتينية، آخرها «جائزة ثربانتس» عام 1998، وهي أعلى جائزة للكتاب باللغة الإسبانية. له أكثر من 15 كتاباً شعرياً، من بينها: «أرض دوننا» (1947)، «تماثيل ميتة» (1955)، «كم أعرف عني» (1974) و«دفاتر نيويورك» (1998). نشرت عنه العشرات من الكتب والدراسات، وصدرت مجموعة الأعمال الشعرية الكاملة بعد سنة من رحيله.
السُّحُب
لا فائدة من الاستجواب.
عيناك تروحان حتى السماء
تبحثان، من خلف السحب،
آثار ما حملتها الريح.
تبحثان عن يدين ساخنتين
وجوه منْ مضوا،
الدائرة حيث
عزفت فيها آلاتهم.
سحب مثل نغمة، غناء
بلا نهاية ولا بدء
نواقيس من رغوة شاحبة
تكشف عن سرها.
نخيل مرمري،
كائنات تدور عكس عقارب الزمن
مقلدة الحياة
في حركتها الأبدية.
لا فائدة من الاستجواب
عند الأجفان العمياء.
إيه يا خوسي يَّرو
ترى ما الذي تريده وأنت تراقب السحب؟
طفل القفص الفارغ
بيديك
ـ بيديك هاتين ـ
جعلت الطيور طليقة.
بني: بم تحلم
بالظل
رمز الإنسان يحطم سجونه،
الذي يحرر الأفكار،
والكلمات التي يحملها الهواء؛
الذي يمنح الغناء ويمنح السلوى
والذي لا يجد بعد منْ يسليه.
أعزل، صامت
صدغان محاطان بأوراق خريفية.
وفي الفم يجف طعم
ملحِ كل البحار.
الملح الذي تركته
أمواج الأيام
وهي تتحطم!
قدرٌ سعيد
تركونا منتصف الطريق
بين خيوط الضوء،
فمضينا كالعميان.
نحنُ طيور مارقة، غيوم صيف مرتفعة
متشردون أزليون.
ناسٌ سيئون يمضون منشدين في الحقول
ومع أن الطريق وعرة
وقاسية هي الأزمنة،
فقد غنينا بأرواحنا
إذ لا يوجد رجل وحيد
يدرك منطق غنائنا الحي.
نحيا ونموت،
ميتة وحياة الآخرين
وعلى ظهورنا يضطجعُ العديد من الموتى.
صوت عميق يأمرنا بأن نثرثر قليلاً
مثلما ماتوا جميعهم،
فقد عاش طرفة عين،
مُحرقين بجنون
الحياة التي لم يحيوها أبداً.
أنهار غاضبة،
أنهار راكدة،
أنهار وامضة.
(ولكن لا أحد يقيسنا من الأعماق، بل بأفقية)
نعضُّ الضفاف، ندمر السدود
يقولون إننا نمضي كالعميان.
ولكننا نعيش
مياهنا تحتضن عطر الميتة،
وحيوات الأحياء والميتين.
والآن لتروا إذا ما كان مفرحاً
أن تعلموا بيقينٍ مؤكد
أننا ولدنا من أجل هذا.
مدينة في الأفق
البيوت كسلك وحيد.
دخان متلاشٍ.
هم الآن متجمعون في الساحات المهجورة.
الخريف الآتي يترك عصيره يتساقط
وأنا بلا حراك، أنتظره بيدين مفتوحتين.
قاس لك خطواتي تحت سماوات حمراء،
وبحث عن نبضك الذي ينط في الرمال
وبعد حين، وأنت تطل من هاوية عينيك
رأيتني كما أنا، مقيداً بالسلاسل.
شاهدة لقبر شاعر
لمستُ الخلقَ بجبهتي
فشعرتُ بالخلق في روحي.
الأمواج نادتني حتى أعماقها
وأغلقتْ من بعدي علي مياهها.
________
كلمات
العدد ٢٧٨٣

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *