*آسيا رحاحليه
خاص ( ثقافات )
*الصورة الأولى :
أشم رائحة حب . أحس بما يسبق العاصفة . ما يشبه الجنون قادم . ما يشبه الضياع قادم . بمن ألوذ و أنت يا قلبي , مثل قدري , تقف ضدّي ؟ لمن أمدّ يدي ؟ حسبتُ أن السفينة رست بنا أخيرا على مرفأ اللاحب ، حسبت أنّنا وصلنا إلي بر السكينة والأمان .
أما اتفقنا أنها الهدنة؟ أما عقدنا معاهدة وقف الجنون ؟
لكنك مثل الزمان يا قلبي ، متقلبٌ ، لا عهد لك ولا أمانْ .
أنت تلميذ بليد لا يتعلم من أخطائه . ذاكرتك مثقوبة ، تعود دائما من حيث بدأت ناسيا كل شيء.
يرعبني الإعصار فأغلق عليك الأبواب لكي أحميك من الريح ، و أنت في غفلة مني تشرّع النوافذ فتصيبك نزلات الهوى و أحتار أنا فيك و معك . يصيح بك العقل ، يصرخ ، يترجّى ، يصفّر كشرطي مرور في زحمة سير ، و لكنك تمضي في جنونك مثل سيل جارف ، غير آبه لشيء ، آخذا في طريقك كل شيء ، العقل والمنطق و القوانين و المقاييس .
و تأخذني معك إلى حيث لا أدري و لا أنت تدري .
كانت الصورة تشير إلى الخوف و ألف دقة .
*الصورة الثانية :
جعلتني أقف على شفا الجنون ، و مع ذلك لن أغادر لأن حياتي الآن مساحة واحدة يملأها حبك و لأنّ أيّة حسابات ندم قد أعرفها يوما ستكون أنّني لم أحبك كما تستحق ، و أنك لم تحبني كما حلمت .
إياك أن تنسى من أنت . فعلا ، أنت الكل و أنا الجزء ، أنت الأصل و أنا الصورة غير المطابقة ، أنت العمر و أنا فيه جزء من الثانية ، أنت المجلّد و أنا الفاصلة الصغيرة ، أنت السنديانة و أنا الغصين الرفيع ، أنت النخلة و أنا ظلها الباهت المشوه على الأرض .
أنت القصيدة و أنا نقطة في آخر بيت .
لكن ..فقط لأنني أحبك .
الأمر كله بيدك حبيبي .المغامرة هواية الشجعان . إن قررت الإبحار فأنا معك ، سأجعل من ذراعي مجدافك…و من خصلات شعري أنسج عريشه تحميك من الشمس .
أتدري أنني مَدينة لك بكل عمري ؟ لولاك ما عشت وهج الحب و نار الغيرة و عذابات الانتظار و لا روعة اللقاء .
لولا حبك ما كنت عرفت معنى الأرق و القلق و لا ذقت وخز الشك ولا وجع الحنين .
و ما هو العمر إن لم يكن هذا كله ؟
دعني إذا أحبك كما تمنيت ..دعني أشرب بدلاً منك مرارة غربتك ، و أغسل بدمعي أحزان منفاك ، و أحمل عنك ثقل همومك . دعني أخترع من أجلك كلمات عشق أخرى لا تليق الاّ بك و لا يبهجها السفر إلا إليك .
هذه أنا بكل اللهفة و الحنين ، بكل حب العمر ، أقف على عتبة عمرك…هل ستفتح لي ؟
هذه أنا أحمل في القلب زادا من العشق يكفينا معا حتى آخر نفس ،هل ستقبل بي ؟
فقط لأنني أحبك .
كانت الصورة تشير إلى تمام العشق .
*الصورة الثالثة :
لأنك يا حبيبي شاعر، تشكّلتَ في رحم الجنون ،و كبرتَ في حضن الخيال ، تحوكُ من حرير الوهم شالا لكتفيّ و تنقش وجهي فوق الغيم و فوق الماء . و لأن سطور عمرك قبلي بها آلاف الأسماء لآلاف النساء و ليس فيها كلمة حب واحدة ، و لأن الحب أحلى قدر و أروع ما يمكن أن يحدث لنا ، يجعلنا أبرياء كالأطفال و سذجا كالأطفال ، نتزحلق فوق قوس قزح، و نخبئ تحت وساداتنا النجومَ و القمر .
لأجل كل هذا ، أقتلني اليوم حبًا .
لأن يوما سيأتي تصير فيه الجذوة رمادا ، تجفّ المشاعر كإسفنجة تحت الشمس ، و تنكمش في ركن بعيد من الذاكرة.
يوما ، ستمر بقربي يا حبيبي فلا يشهقُ القلب و لا ترتعشُ الأجفان و لا تحترقُ الدماء و لا تتلعثمُ الحروف .
قد تقول ” أهلاً” أو أقول ” صباحُ الخير ” أو لا نقول شيئا. قد تنظر إليّ بعيون فارغة أو لا تنظر، ثم تضيع وسط الزّحام ، و أحاول اقتفاء مرورك….خطواتك….أنفاسك… رائحتك…ظلّك…قبلاتك و لا أجد لحبنا أدنى أثر.
لأن يوما سيأتي تنسى فيه أنّني أدعى ” حبيبتي” و يصير لي عندك اسم آخر.. تسميني ..ماضيك أو جنونك أو ‘ تلك التي كانت. ‘ و تقع يدك صدفة على صورة لي أو رسالة أو وردة محنطة داخل كتاب قرأناه معا ، فيطوف بشفتيك ظل ابتسامة ، بلهاء أو ساخرة أو مشفقة .
و لأني امرأة لا تعرف كيف تحب برفق.. أو بهدوء…أو في صمت .
الحب الهادئ لا يستهويني . لا يقنعني ، لا يرضيني ، لا يشبع حواسّي و لا أحاسيسي .
لأجل كل هذا….أقتلني اليوم حبا .
لأنني يا شاعري أوقن بأنّ الحب طائر مهاجر لا تستهويه الأقفاص و لو من ذهب و يحنّ دوما الى الرحيل و التحليق صوب جزر أخرى ، لأجل هذا أقبل طواعية أن تقتلني الآن حبا.
كانت الصورة تشير إلى الجنون و النصف .
*الصورة الرابعة :
راحلة أنا….راجعة إلى مملكتي لأتربع على عرش الأحزان من جديد .
ذلك اليوم….هل تذكر ؟ خيّل إلي أن طيور الفرح تحلّق في سماء أحزاني ، أصابتني الدهشة ، استغربت . هل تذكّرني الفرح أخيرا ؟ هل قرر أن يفتح لي نافدة و لو صغيرة أطلّ منها على عوالم الحب و مواسم البهجة ؟
يومها نزلت من على عرشي . غافلت جميع الحراس . رميت تاجي و صولجاني و تبعت تلك الطيور المضيئة الملوّنة . ركضت وراءها حافية القدمين . عيناي معلّقة بها . و فجأة وجدتني فوق أرض أديمها أشواك ، سماؤها تمطر الدموع ، رائحة الخوف تملأ الأجواء من حولي .
يا لسذاجتي ،يا لغبائي . كيف نسيت أنني والحزن تربطنا اتفاقية أبدية ؟ إمبراطورة كل الأحزان أنا و الوريثة الوحيدة
راحلة أنا ، وداعا و لا تقل شيئا .
” آسف حبيبتي….لن أنساك….أتمني لك السعادة .” كلمات جوفاء ، باردة ، شاحبة ، بلا طعم ، بلا معنى . لا أريد سماعها ، فقط لا تقل شيئا . دع الصمت يتكلم .
ما أتفه الكلمات أمام بلاغة الصمت .
كانت الصورة تشير إلى تمام الحزن و دمعتين .
*الصورة الخامسة :
لا بأس فإنّ الفجيعة لا تأتينا إلا ممّن نحب . فقط أتساءل…. لماذا عندما يُغتال الحلم الورديّ في قلب الأنثى تكون وراء ذلك يدُ رجل؟ وعندما تدنّس البراءة وتُغتصب الطفولة النائمة في أعماق الأنثى تكون هناك أثار رجل؟ لماذا نكتشف دوما بصمة الرجل فوق رداء هزائمنا وعلى وشاح انكساراتنا ؟ لماذا كلما نراجع دفتر الأحزان يكون أسفل كل صفحة توقيع رجل؟ وكلما نفتح أبواب الألم في حياتنا نجد على الأرض والجدران وفي الهواء أشياء رجل : قفازات… جريدة … أعقاب خديعة… أو قارورة غدر ؟
لماذا..؟ وكل رجل تحمله حواء على أكف الوجع إلى بيادر الفرحة يجرّها هو من شعرها معصوبة العينين إلى المقصلة…؟
و تقول ” وددتُ لو أقضمك كتفاحة “؟! أوَ لم تكْفك تفاحة قضمتها قبلا فأخرجتنا بها جميعا من الفردوس ؟ ثم شَرقت بها فاحتبست في حلقك بارزة ، شاهدة أبد الدهر على جشعك وعصيانك ؟
يحزنني أنّك و أنا لم نر الحب من نفس الزاوية…أنا رأيت الحب شريعة ، فلسفة حياة ، قضيةً و مصيرا… رأيته وصمةً ، وشمًا ، بصمةً و هوية ، و رأيته أنتَ محض تدريب لأعضاء الجسد .
عقارب الصورة تعلن تمام الخيبة .
*الصورة السادسة :
……………………….
………………..!
و لم تظهر الصورة !
_______
*أديبة جزائرية