الكتب المتاحة إلكترونياً


*أمير تاج السر


لعلّنا نلاحظ كثيراً في السنوات الأخيرة، وبعد أن ازدادت قوة الإنترنت وازدادت الرقعة التي تغطيها في كل مكان، إضافة إلى شبه مجانيتها أو مجانيتها الكاملة في كثير من الدول، أن تأثر كل شيء، تأثرت الصناعة والزراعة، والاستثمار، وأيضاً تأثرت الثّقافة عموماً، وتبدو صناعة الكتب ونشرها وترويجها من الصناعات التي تأثرت من ناحيتين، فهي سلبية، وإيجابية في الوقت نفسه، من الأشياء الإيجابية أن الكاتب أولاً، لم يعد مغموراً تماماً، كما كان يحدث في السابق، بمعنى أن الكاتب الجديد، يستطيع بسهولة، وقبل حتى أن ينشر كتابه في دار نشر مُعيّنة، أن يضع مقاطع منه هنا وهناك، للفت أنظار قرّاء محتملين، وأيضاً بما صنعه من قاعدة أصدقاء على مواقع التواصل المختلفة، يستطيع أن يعثر على مشجعين ومتذوقين، ومن ثَمّ حين يصدر كتابه، يكون ثمة مَنْ ينتظره، حتى لو كان ذلك على محيط ضيّق، بعكس الماضي حين كان الكاتب إما معروفاً تنشر الصحف آراءه، وأغلفة كتبه، وصوره المختلفة وأخباره بالتقنية البسيطة التي كانت سائدة آنذاك، وإما مغموراً لا يعرفه أحد، وربما لا يُعرَف مُطلقاً، حتى لو نشر عِدّة كتب، وأذكر أننا في مدينة بورتسودان، حيث المكتبات تكاد تكون مقتصرة على كتب أسماء مُعيّنة، نعاني بشدّة للحصول على كتاب لواحد سمعنا عنه مُصادفةً، وحين تصدر في بيروت أو القاهرة، رواية للطيب صالح أو يوسف السباعي أو توفيق الحكيم، لا تصل عندنا إلّا بعد سنوات، بعكس الآن، حيث يمكن طلبها مباشرة من الناشر.

الشيء السلبي الذي أردت التطرُّق له هنا، بعد انتشار الإنترنت، هو وصول الكتب بصيغتها الإلكترونية النهائية التي نُشرت بها، إلى الإنترت في شكل نسخ إلكترونية مجانية، يمكن لأي شخص اصطيادها والاحتفاظ بها في جهاز الكمبيوتر الخاص به، وأيضاً توزيعها على الناس بكل سخاء.
هذه الصيغة التي يعتبرها الناشرون، غير عادلة، وتؤثّر بشكل أو بآخر في صناعة الكتب، كصناعة مكلفة، وينبغي أن تكون ذات عائد مُجزِ، للناشر طبعاً، تطال الكتب القديمة التي مضى على نشرها سنوات، وتطال الجديدة التي ربما تكون صدرت من أيام فقط، الملاحظ هنا أن بعض الكتب تم تصويرها من النسخ الورقيّة، وهذه عملية طويلة ومزعجة، لكن هناك من يتكفّل بها، بلا أي مردود سوى متعة أو نشوة يحسّ بها كما أعتقد، وهناك النسخ الإلكترونية التي ذكرتها، وهي غالبة خرجت من كمبيوتر المؤلف لأحد الأصدقاء، أو من الناشر لشخص ما، هكذا، وفي كلتا الحالتين نحصل على كتب مكتملة وسخيّة، وربما لا توجد في المدن التي نعيش فيها، ومن خلال هذه الطريقة السخيّة، التي هي في النهاية قرصنة تغفل الحقوق، يمكن لكل متعامل مع الإنترنت أن يقرأ إن أراد بلا رقابة ولا يأس من الحصول على كتاب أراده بسبب قِلّة الموارد المادية.
سؤالي: هل فعلاً تؤثر القراءة المقرصنة على القراءة الشرعية؟، وهل يفقد الكتاب الورقي مَنْ يشتريه حين يتوافر إلكترونيا؟
في رأيي الشخصي أن الموضوع ليس كارثياً أبداً، فليس كل الناس حتى لو كانوا عباقرة في خوض بحر الإنترنت، يفضلون القراءة بهذه الطريقة، التي تتعب العيون، ولا تمنح القارئ حرّيّة أن يتقلّب على جنبه، أو يتكئ وهو يقرأ، وفي تجربتي الشخصية، فإن عندي كتباً تم نشرها مجاناً في الإنترنت، ولم يؤثر ذلك على توزيعها ورقيّاً، وأعتقد أن البرازيلي الشهير باولو كويلهو، أقدم مرّة على نشر كتاب له، مجاناً على النت، ولاحظ أن مبيعاته لم تنخفض.
التعامل مع المسألة إذن، ينبغي أن يكون تركها بلا تعامل.
السلبي والإيجابي أيضاً نسبي، وما نعتبره ضاراً يعتبره الغير نافعاً، وهكذا..
___
*الدوحة

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *