أصدقاء الكتب


*أمير تاج السر

من الملاحظات المهمة في معارض الكتب، خاصة في منطقة الخليج العربي، وجود وجوه مُعيّنة لشباب من دول المنطقة، أشاهدهم باستمرار في أي معرض أزوره. هم يركضون خلف الإصدارات الجديدة في موعد إطلاقها في هذا المعرض أو ذاك، يقتنون كل ما يمكن قراءته، يعرفون المؤلفين شخصياً، ويلتقطون الصور التذكارية معهم، وبالطبع أصبحوا في النهاية أصدقاء للكتب ولمن يُنتج الكتب من مؤلف وناشر ومُوزِّع، وربما قراء آخرين يمكن أن يتواجدوا في معارض الكتب.

هذه الصداقة الوطيدة بالكتاب، التي تجعل الصديق يسافر من أجل أن يحتفي بصديقه، في زمن نشكو فيه عادةً من شُحِّ القراءة، ونحاول بشتى الطرق أن نعيد بعضاً مما مضى، إلى زمن التناقضات هذا، تبدو ظاهرة تستحق تأملها طويلاً، المسألة قطعاً ليست مسألة قارئ سيطّلع على كتاب ما حين يتوافر المال والوقت، ويكون الكتاب قريباً من مكان إقامته. إنها تتعدى ذلك لتصبح مسألة عشق حقيقي، حين يتتبع العاشق خطوات معشوقته، ويسعى لاستقبالها في أي مكان تحط فيه، وأذكر أنني حين أضع خبراً عن قرب صدور عمل لي أن تردني مكالمات ورسائل عديدة، تسأل عن الموعد المُتوقّع لخروج العمل، وفي أي منفذ سيكون متواجداً في البداية من أجل طلبه أو اقتنائه سريعاً، وأخبرني كاتب زميل إنه نشر مرة كتاباً، ولم يعلن عنه في أي مكان، وحتى دار النشر التي نشرته لم تعلن إلا يوم توافره فعلياً في أحد معارض الكتب، وبرغم ذلك وجد قرّاء مخلصين له، متوافرين ساعة إطلاق الكتاب وكانوا قد أتوا من دول أخرى، من أجل كتابه أولاً، وكتب أخرى ثانياً. وفي معرض الدوحة الأخير، التقيت حوالي ستة من أولئك الشباب، التقيتهم من قبل في الشارقة والرياض، وأصبحوا أصدقاء، وكانوا يحملون إصدارات جديدة، تُطرح لأول مرة وأخرى يعرفونها، لكنها صدرت في طبعات جديدة، مثل رواية «قلم النجار» للإسباني مانويل ريفاس، التي أصدرتها دار بلومزبري أخيراً في طبعة جديدة، جذابة جداً.
إذن وبرغم جفاف الزمن من احتمالات أن تعود القراءة أو الثقافة عموماً لتحتل صدارة الوعي، يوجد عشاق متيمون، يمكنهم أن ينعشوا الأمل ويبثوا شيئاً من التفاؤل، ويمكن لنا أن نباهي بهم ونعتبرهم نواة لمستقبل قرائي قادم، فقط لو بذل الجميع شيئاً من الجهد. صحيح إن المسألة في النهاية شخصية جداً، أي أن يحب أحدهم شيئاً لا يحبه غيره، لكن لن أنصاع لمحدوديتها وحصرها في الشخصي، وسأقفز بها إلى أبعد من ذلك.
لماذا لا يكون هناك أناس بالفعل يشجعون الكتابة والقراءة، بنفس حماس آخرين يشجعون كرة القدم؟
لماذا لا يُسافر مئات الأشخاص وراء كاتب من بلادهم، لمناصرته في فعالية ستقام له في مكان ما، أو توقيع لكتاب في أحد المعارض؟
بالطبع أتمنى ذلك، فقط أن تكون المسألة متبوعة بالوعي، في اختيار الكاتب وكتابه، وليس اختيار الكاتب لأنه من ذلك الوطن، فليس كل كاتب من بلد ما، يكتب بما يمكن اعتباره إنجازاً يستحق الدعم.
_____
*الدوحة

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *