العنف إلكترونياً


*إبراهيم اليوسف

ربَ سؤال يخطر في البال، ونحن نقرأ صعود لغة العنف في الحوار، ضمن أوساط محددة، من حيث درجة وعيها، ومرجعياتها الأخلاقية، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، عن الأسباب الداعية إلى مثل هذا الواقع المستنقعي، المتردي، الذي آلت إليه الأمور، وهو يجيء على حساب اختفاء ثيمة الحوار التي تم الإقرار على أوسع نحو، لاسيما في العقود الأخيرة من الألفية الثانية الماضية، بضرورة دخولها إلى حيز التطبيق، بعد أن بلغ موشور البارومت رالعنفي مستوى جد مخيف، في ظل التطورات الهائلة التي تمت، مع انتشار أدوات الإبادة، بل وما ينتج عنها من دمار، وقتل، وتشريد، وغير ذلك من مفردات معجم الرعب، الذي استقطب المستنيرين، المهجوسين بروح الحب والسلام، من رجال فكر، وأدب، وثقافة، وإعلام، وسياسة، بل وعوام أيضاً، لا مصلحة لهم بما توصلت إليه الأمور، وهي في طريقها نحو مفاقمة خطر ثقافة الكراهية الفتاك؟

مؤكد، أن الغاية الرئيسة التي يمكننا استقراؤها، وتعويلها على مثل هذه الشبكات تكمن في صفتها المضافة، اللاحقة بها، والمضاف إليها في تعريفها، وهما مفردتا “التواصل/الاجتماعي”، حيث إن الملايين الذين أكرهوا نتيجة زلازل السياسة، وبراكين الحروب على مغادرة الترب التي نشأوا عليها -على سبيل المثال- قد تمكنوا من الاهتداء إلى من ارتفعت بينهم ومقربيهم، جدران الجغرافيا، والحدود، وتأشيرات جوازات السفر، ما جعلهم يستأنفون دورات تواصلهم، وكان لذلك الأثر الطيب في نفوس المليارات ضمن خريطة البيت الكوني، ناهيك عن أمر جد مهم وهو اندلاع -أجل اندلاع- حالة ثقافية، من الممكن استثمارها، لنشركل ما تدمر في أروقة السياسة، وطبوغرافيات غرف عمليات ثكنات الجيوش الجرارة، وبأصابع الطيارين، ورماة الصواريخ التي تستهدف الأبرياء كرمى لفرض شوكة سلطة ما، ودافع ذلك مصلحة بعيدة المدى، أو قصيرته، لا فرق . 
ثمة اشمئزاز، بات ينقل من قبل بعض أصحاب “النفوس الميتة” بحسب “غوغول”، أو “الموبوءة” كما يمكن تشخيص مدى تدرنها الوبائي، من دواخلها، من قبلنا، ما أدى ببعضهم، أن يظهروا، على حين غرة، شاهرين سيوف الحقد، الدونكيشوتي، وإن كان هؤلاء، عادة، يصنفون، من عداد الموغلين في مثلبة الجبن، وليس لهم بد سوى تلويث الأجواء، كي يظهروا، بعد أن افتقدوا كل سبل النجاح والخير .
إن الإلكترون، كفضاء مفتوح، كسر ربقة الرقابات الكابحة لحرية الرأي، ليس إلا وسيلة نشر محايدة، من الممكن استخدامه، في وجهته الصحيحة، في خدمة المجتمع، في ما إذا تم تكنيسه من الحالات الوبائية، المريضة، التي يتم فيها التعامل مع هذا السلاح المهم، خبط عشواء، ولعله من واجبنا جميعاً الإشارة إلى مصادر هذا الوباء، والسعي لتحجيمه، بما هو أشبه بحالات الحجر مع من يحملون لوثة الطاعون، أو الإيبولا، وغيرهما، من معجم الأوبئة، لأن مستخدم هذا السلاح، كأداة تحريض بحق المختلف في الرأي، أشبه بالمجرم الذي لابد من التجرؤ على التنبيه منه، من أجل سلامة كل من حوله.
______
*الخليج

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *