*سمر الزعبي
خاص ( ثقافات )
عشرة طويلة كانت، درستْ فيها أداءَهُ، لا يعزبُ عليها خافٍ، هو يحبّ بالتأكيد.. يحب امرأة أخرى، زادتها نظراته يقيناً، ضحكته الباهتة، تقلّب مزاجه، لا يجيد الكذب، عيونه تفضحه.
راقبته، فتّشتْ جيوبه، رسائلَ “الواتس والماسنجر” صارت لديها، بعدما حصلت على الرقم السرّي، وهي تصطاد غفلاته، لم تجد دليلاً يؤكّد يقينها. لكن لا شيء يعبث بنفسيّتها، ولن تسمحَ له بالخروج من دائرتها.
لم يفكّر يوماً أن يخرج، اعتاد زوجته، غير المفعمة بالأنوثة، اعتاد حياتَه، وتصالحَ مع مجرياتها منذ زمن بعيد، يقلّب بصره بين النساء، كلّ شيء عابر، إلاّ هي، شغفته حباً، تلك التي تمنّى لو ترخي جدائلَها على كتفيه، ترتجف إحدى يديه لمّا يراها، يبتلع الكثيرَ من الكلام، ويكتفي بابتسامة تهتزّ على طرف شفته، ونظرة كسيرة، لا يحلّ لغزها أحدٌ كزوجته.
كلّ صباحٍ تتسلّم فيروزٌ دفّة قلبه، كأنّه لم يستمع إليها من قبل، أو أنّ إحساسه بالكلمات قد تغيّر، يودعها لهفاته، ويشكو إليها قوّة العبارة واللحن اللذَين أصابا مقتله، يروق له مشهد طلاب الجامعة، وهم يتمشّون معاً، يمسك الواحد منهم يد الحبيبة أمام المارة، ثم يحسدهم، ويرتشف غصّته.
أمّا هي، فتغار من رغوة القهوة على أدمة شفتيه، وتتمنى لو أنها قطعة سكر تذوب، ولو يعلق منها شيء، لتذوّق كلّ منهما الآخر على مهل، لكن حينما يتبدّ لها محيّا الزّوجة، تمضغُ قهرها، فليس من طبعها التعدّي على حياة الآخرين.
يجرحها اسمه، يستفزّها أيّ شيء نالَه، شارعٌ، مخيطة، محل للخلويّات، كأنّ علاقة ما تربطها بتلك الأماكن، تذكّرها بمستحيل تخشى الخوضَ فيه.
كلّ منهما على حافّة طريق، يقابل الآخر، ولم يقتربا، أو يرتويا، لكنّ محاولة الابتعاد مقصلةٌ للروح، فقبلا الأمرَ الواقع، ومكثا يتأمّلان قلبيهما، تجفّ فيهما العروق، فيما ظلّت علاقة الزمالة متنفّساً للحلم، وزوجته تحتفظ بالمشهد في إحدى منشوراتها “الفيس بوكيّة” العابثة.
صار صعبَ المراس، عصبياً لا يُطاق، شارداً أغلب الأحيان، تحوّل لآلة عاملة، فيما افترش التوتر يوميّات الحبيبة، ولزمها البكاءُ حتى وهي في الأماكن العامة، فصبّت انكسارَها في قوالب العمل، تشغل نفسها، راجيةً أن تنسى.
انصهرا بين يأس وحرمان، ولم ينعما بذاك الحب الذي تغنّى الناس بسعادته وإلهامه.. والزوجة تتقن دور الضحيّة.. تفتقد فيه الرّوح التي عرفت.
كان عليهما أن يسحبا النظرات، أن يعيدا الزمن للوراء، إلى ذلك المشهد الذي به التقيا، ويحرقان كلّ ما دار فيه، لم يعتلي النبضُ شغافَ القلب بقرار، ويعرفان ألاّ خيار في الحب، لكن اختارا أن تتجمّد السطور بينهما.
أما زوجته فلم يكن بوسعها أن تنتظر، أو أن تلملم خيوط الحزن من عينيه، فاهتدت إلى طريقة تحطّم بها السطورَ بجليدها، وعادت إلى ذات المشعوذ الذي كان سبباً في زواجها منه.. قبل سنينٍ أرشدوها إليه، بعدما فشل الآخرون في اصطياده لها، ولمّا نجح مشعوذها الأمثل، صار ملاذها كلّما ارتبكت العلاقة.
أغدقت عليه المالَ مجدّداً، وسلّمت له جسدها كالعادة، لإتمام طقوس ترغيب الزوج بها.. ثمّ أعدّ حجابَه السحري، وبعضَ ترتيبات أخرى، أكلَ منها الزوج وشرب، حتى عاد خاتماً في إصبعها.
________
*قاصة من الأردن