مهند النابلسي
خاص ( ثقافات )
تفاصيل “البيت الداخلي” للمافيا الإيطالية!
يقدم فيلم “الخطوة المئة” القصة الحقيقية للمدعو بيينو إيمباستو (الممثل لويجي لوكاشو) التي جرت أحداثها في صقلية (وكر المافيا الإيطالية)، ما بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، ويكاد الشريط الشيق يتماثل بأسلوب ونمط السرد لفيلم العرَّاب الشهير للمخرج الأمريكي الفذ فرانسيس كوبولا (ذي الأصل الإيطالي) من الناحية الدرامية ولكنه يتفوق على “العرَّاب” سياسياً! كما يبدو وكأنه النسخة الإيطالية من الفيلم الأمريكي الشهير: فايمباستو هو ابن عائلة ذات صلات وطيدة بالمافيا، لكنه يتمرد على أسرته ويسعى إلى إحلال القانون في بلدته “تشينيزي”، فيترشح لعضوية مجلسها البلدي للعمل كمواطن مسؤول صالح، لكن الفرح لا يدوم حيث يقتل إيمباستو في هجوم إرهابي تشنه المافيا قبيل إجراء الانتخابات… يتطرق هذا الشريط اللافت لتفاصيل ما يحدث في “البيت الداخلي” للمافيا الإيطالية بنمط غير مسبوق وواقعي، كما يتناول خصوصية العلاقات ما بين المافيا الإيطالية الأصلية والأقل غنى وتبجح، ونظيرتها الأمريكية الأكثر تعقيداً وتشعباً وثراءً. الفيلم يتحفنا بسرد ثري متباين لنمط العلاقات الأسرية وتوزيع الأدوار، حيث الوالد الزعيم المحلي للمافيا وتاجر المخدرات، وهناك الأم المسالمة والمهادنة والتي تعمل كوسيط، ثم الأخ الأصغر المعارض “البراغماتي” والعم الذي قتل مبكراً، وكذلك الرسام اليساري الملهم لـ”للبطل”(ستيفانو فينوني)، والذي نجح بتحويل غضبه تجاه المافيا ليصبح حافزاً لمقاومة ممارسات الفساد والعنف، ونلاحظ أنه ساعد “بيبينو” للبدء بحياة سياسية جديدة حافلة بالتحديات والمواجهات!
يتمتع هذا العمل بالزخم المشهدي الحابس للأنفاس والبعد السياسي المتمكن، والذي يكاد يستنسخ أسلوبية فيلم “زد” الشهير لكوستا غرافاس، حيث يمجد الشريط احتجاجات الشباب الإيطالي والأمريكي في السبعينيات، ويتطرق بتلقائية للكثير من أوجه الثقافة الشعبية التي كانت سائدة آنئذ.
كما لا ينسى المخرج القدير “ماركو جيوردانا” أن يسلط الأضواء على الجوانب النفسية الدقيقة للعلاقات الأسرية والتناقضات والمصالح الذاتية، ويغلب على العمل الطابع التراجيدي العنيف، حيث تشكل اللقطات الأخيرة النهاية المأساوية المتوقعة… فنلاحظ الاحتجاج الهائل والدعم المتمثل بجنازة “بيينو”، وخاصة من قبل هؤلاء الذين تأثروا بتحوله ضد المافيا وانتسابه للحزب الشيوعي الإيطالي، ونتأثر بطريقة قتله المروعة التي تمثلت بملاحقة سيارته وإيقافه وجره منها، ومن ثم ضربه بشكل مبرح حتى لا يعود قادراً على الحركة، وبالتالي ربطه مع عبوة ناسفة على رصيف الطريق وتفجيره… ونرى تجاهل البوليس (المتأثر بالمافيا) للحادثة والاحتجاجات، ومن ثم تسجيلها كمحاولة انتحار (بالعام 1976)، ولكن الحقيقة انكشفت أخيراً بالعام 1997، واتهم جاتانو بادالامنتي (توني سبيرا) بقتله، وحكم عليه بالسجن المؤبد.