*محمد موسى
عادت قضية جرائم الاغتصاب في الهند إلى الواجهة بعدما اقتحم آلاف الأشخاص أمس سجناً شديد الحراسة وقتلوا مشتبهاً به في جريمة اغتصاب طالبة كلية الطب جيوتي في باص في مدينة دلهي شتاء عام 2012، ووفاتها بعد الحادث. واضطرت الشرطة أمس لفرض حظر تجول لاستعادة النظام وأفادت الوكالة الفرنسية نقلاً عن وكالة «ذي برس تراست أوف إنديا» أن تظاهرة حاشدة للتنديد بالاغتصاب توجهت إلى السجن وأخرج مشاركون فيها المتهم بعد الاشتباك مع الحراس ونقلوه إلى ساحة عامة حيث عروه وضربوه وشنقوه.
وشكل قرار البرلمان الهندي أخيراً بمنع فيلم وثائقي حول الحادثة، الشرارة التي أدت إلى هذه الانتفاضة.فقبل أيام قليلة من موعد بث الفيلم على قناة «أن دي تي في» الهندية، أصدر البرلمان الهندي قراراً بمنع عرض الفيلم التسجيلي البريطاني «ابنة الهند» لاعتراض نواب على محتواه.
وأطلق قرار المنع نقاشاً إعلامياً ومجتمعياً حاداً في البلد، يكشف في جزء منه عن الصراع المتواصل في الهند بين الأفكار الحداثوية والرجعية، رغم إن الحادثة أثارت وقتها احتجاجات واهتماماً غير مسبوقين، وبدت إنها هزّت بقوة المُجتمع الهندي.
وعلى رغم إن المنع أعاق وُصول الفيلم الى جمهور القناة التلفزيونية في الهند، الا إنه سيزيد فضول كُثر هناك لمحاولة مُشاهدته بطرق مُختلفة، بخاصة إن وسائل إعلام ومواقع إلكترونية عدة حول العالم نقلت مُقتطفات منه، وركزت على قسوة محتواه، بعد عرضه التلفزيوني الأول الأسبوع الماضي على شاشة القناة الرابعة لـ «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، والذي لم يمرّ من دون ضجيج، الأمر الذي دعا القناة البريطانية لإصدار بيان، أكدت فيه بأن فريق الفيلم تعامل بحساسية مُفرطة مع حادثة الاغتصاب، وتعاون في شكل تام مع عائلة الفتاة الراحلة.
وفي الوقت الذي تستأثر مُقابلة أحد المغتصبين في الفيلم، ووقاحته بتحميل الفتاة مسؤولية الاغتصاب، لأنها كانت تتجول برفقة صديق في الساعة التاسعة مساءً، بالاهتمام الإعلامي الأكبر، يغيب الحديث عن محاولة الفيلم تحليل ظاهرة الاغتصاب في الهند، والتي قادته لعرض الفقر المدقع الذي أتى منه المغتصبون، وكشفه عورات المُجتمع الذكوري البطريركي الهندي، والذي يبدو إنه انتفض بوجه فيلم تلفزيوني من «الخارج»، حاول أن يضع إصبعه على جروح الأمّة، التي مازالت مُثقلة بأحمال الماضي على رغم الخطوات الشاسعة التي قطعتها في السنوات الأخيرة.
يعيد الفيلم التسجيلي الذي أخرجته البريطانية ليسلي أودوين، تجسيد أحداث ليلة حادثة الاغتصاب، لكنه لن يظهر أياً من تفاصيلها الحميمية المُروعة. فالفيلم وكما أشار بيان «بي بي سي» كان واعياً بمشاعر والدَي الضحية، وسيشرحان كيف إن الابنة التي أنهت للتو دراستها في كلية الطب، كانت تخطط للذهاب إلى السينما مع زميل لها، كاحتفال بسيط بالتخرج وقبل أن تبدأ فترة تدريبها في المستشفى. هذا كله لن يحدث، كما تقول الأُمّ بحزن يقطع القلوب، فستة من الشبان الذين كانوا يستقلّون الباص، ومنهم سائق الباص نفسه، سيعتدون على الفتاة، ويلقونها في الشارع مع زميلها الشاب، لترحل بعد ثلاثة أيام في المستشفى، وسط ضجة كبيرة لم تعرفها الهند من قبل.
لا يبقى الفيلم التلفزيوني مع قصة فتاته فقط، وإن بقيت هي في مركزه، فتراه يحقق باتجاهات عدة، عن الظروف التي جعلت مدينة دلهي، تشهد حادثة اغتصاب كل عشرين دقيقة. فيقابل أحد المعتدين، والذي أثار ما قاله غضباً يكاد يكون عالمياً.
يذهب الفيلم أيضاً الى الأحياء التي تعيش فيها عائلات المغتصبين، ليكشف عن حال مأسوي، لا يُبرر بالطبع الجريمة البشعة، لكنه يُلقي الضوء على وضع المُجتمع الهندي وتناقضاته، والتي لا تنحصر في طبقة اجتماعية معينة. فمحامي أحد المُدانين، كشف في حوار مع الفيلم، بأنه سيحرق ابنته إذا خالفت ما يراه هو الصراط الأخلاقي للفتيات. يبدأ الفيلم الشديد التأثير بحوار طويل مع عائلة «جيوتي»، يعودون فيه لطفولة ابنتهم، فتصف الأُمّ اليد الصغيرة لابنتها عندما كانت طفلة، وكيف كانت توقظها من النوم. في حين يعود الأب إلى سنوات دراستها، وكيف كانت تعمل عملين في اليوم من أجل دفع مصاريف تعليمها. فيما يتذكر الوالدان في خاتمة الفيلم ساعات ابنتهما الأخيرة وهي تصارع الموت، وطلبها منهما الغفران على العذاب الذي تكبدوه منذ حادثة الاغتصاب.
الأب بدوره كشف بأنه لن ينسى أبداً اللحظات الأخيرة لابنته، وإن العائلة مازالت غير قادرة على مُتابعة حياتها العادية على رغم مرور أكثر من عامين على الحادثة.
_______
*الحياة