العولمة والخرافة العمياء وعبادة الشيطان!




مهند النابلسي


خاص ( ثقافات )

… وإذا ما انتقلنا بعجالة لصفحات الاقتصاد (بمجلة النقاد اللبنانية)، فسنجد عناوين مثل: فجر اليورو (الإنزال الكبير)، الرئيس البرازيلي يقول: هجمة العولمة عنيفة، ثم مستوطنات إسرائيلية تُبنى بحديد ليبي، لا تخصيص لقناة السويس، وفي روسيا تخصيص شركة في كل يوم!

وفي النقاد الثقافي نجد تلخيصاً جامعاً لبعض الكتب المهمة مثل: سجال عنيف (أم المؤمنين تأكل أولادها لنبيل فياض)، ونجد تعبيرات مثل: السيوف في كل مكان، وفي ظل الخرافة العمياء التي يعيشها المجتمع العربي (وما يزال)، ثم نجد تلخيصاً لكتاب “الأرض المغلولة” (مسمار جحا) لمحمود جبر، الذي يتحدث عن مزارع شبعا والاحتلال الإسرائيلي، كما يوجد تلخيص لثلاثة كتب أجنبية: الوجه الأسود لبريطانيا، أعداء العولمة، ثم الحقيقة القاتلة الذي يتحدث عن دحض المزاعم الإسرائيلية الكاذبة بشأن مملكة داوود وسليمان والآثار اليهودية المزعومة فيها!

أما بالجعبة الصحية فهناك أخبار (أصبحت الآن معروفة) تتحدث عن فاعلية البندورة بمعالجة “سرطان البروستاتا”، وعن ملخص دراسات للنوم والأرق وأضرار التدخين المباشر والسلبي، ثم عن أهمية ممارسة الرياضة لنصف ساعة يومياً.

ثم هناك مقالة عن عبادة الشيطان التي تقض مضاجع الأوروبيين وخصوصاً الألمان (وانتقلت العدوى لبعض الدول العربية لاحقاً ومنها مصر والأردن)، وينهي الشاعر اللبناني الساخر يحيى جابر زاويته الجريئة “كلمات سيئة السمعة”، بشعر نثري بعنوان: “جل البحر(2)، أقتبس منها: “يا رفاقنا يا إخوتي، الحق أقول لكم: من كان منكم بلا أمريكا فليرجم نفسه بحجر….”! وحيث نلاحظ أن للكل أقرباء بأمريكا، والكثير يتسع للهجرة والدراسة والإقامة والسياحة… الخ، ومعظم المثقفين الأدعياء “الليبراليين والعلمانيين واليساريين والمتأسلمين” ينتقدون أمريكا بسبب وبدون سبب، ثم نجدهم يذهبون للسياحة والعلاج بأمريكا، كما يرسلون أولادهم للدراسة والتخصص ونيل الدكتوراه من الجامعات الأمريكية، في تناقض واضح وتخوين ساخر!

هكذا لا يختلف وضعنا الاقتصادي والثقافي والحياتي كثيراً بعد مضي أكثر من عقد تقريباً عن حالنا الراهن البائس، وبالتأكيد فقد انزلق بنا ما يسمى “الربيع العربي” الفوضوي الخائب لهاوية ظلامية “قروسطية” مرعبة، وانكشفت الخيانة والعمالة وتحكم الإرهاب وساد الطغيان، وأصبحنا “ملطشة” لكل القوى الطاغية العالمية والإقليمية، وتوحشت إسرائيل الدولة المجرمة “المدللة”، وفقد العرب خجلهم وتحفظاتهم وأصبح معظمهم يسعى للصلح معها بلا رادع ومانع وضمير قومي وحس إنساني، فيما ظهرت رئيسة الأرجنتين (كريستينا) بخطابها اللافت الأخير بهيئة الأمم أكثر “عروبة وإنسانية وفلسطينية” من معظم الزعماء العرب!

وللحق فهذه المجلة اللبنانية “الزخمة-الممتعة” والحافلة بالمواضيع والمقالات الدالة وملخصات الكتب القيمة والأحداث المهمة، والتي تتباهى (على غلافها الرئيسي) بأنها “أسبوعية القرن الحادي والعشرين” قد اندثرت بلا عودة بعد سنوات قليلة من إطلاقها، فيما بقيت الأسبوعيات “التافهة السطحية” المدعومة بالأموال تزدهر وتزين الأكشاك، وهذا مؤشر إضافي دال وخطير على تردي الاهتمامات الثقافية والفكرية لدى “معظم الناس” بالمجتمعات العربية، لكي لا أقول المثقفين فقط، فالمجلة الأسبوعية الشاملة (للشعوب الحية الواعية) هي بمثابة “وجبة” فكرية استهلاكية أسبوعية منعشة، تماماً مثل وجبات مطاعم “الجنك فوود” السريعة المنتشرة، والتي تلقى الرواج الشديد بعطلات نهاية الأسبوع!

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *