خشب لقنّ الدجاج


*محمود شقير


خاص ( ثقافات )
ست قصص قصيرة جدًّا
الولد والبنت
الولد في العشرين، وهو طويل القامة ولا يخلو من وسامة رغم قلّة البخت كما يحلو لأمّه أن تقول، والبنت في الأربعين وهي جميلة القسمات لولا وضعها الخاص. الولد أيضًا له وضع خاص. قلنا: نزوّج البنت للولد لعلّهما يُرزقان بطفل يكون قرّة عين لأمّه ولأبيه. قلنا للولد: هل تقبل البنت زوجة لك؟ قال: لا. قلنا للبنت: هل تقبلين الولد زوجًا لك؟ قالت: لا. 
قلنا: ننتظر بعض الوقت ونطرح عليهما السؤال من جديد. ففي هذه الدنيا تتغيّر الأحوال من حال إلى حال، والبنت والولد ليسا استثناء على أيّة حال.
لا يستقرّ على حال
اسمه سرحان.
ولدته أمّه بعد أن تعسّرت ولادته. قال الطبيب: تعرّض لنقص خفيف في الأوكسجين الذاهب إلى دماغه. قلنا: إنّه الآن في العشرين، لا يقرأ ولا يكتب رغم أنّه داوم اثنتي عشرة سنة في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة، وهو لا يستطيع القيام بأيّ عمل لفترة طويلة، لأنّه يفتقر إلى التركيز الذهني المطلوب. قلنا: مع ذلك، من حقّه أن يقترن بامرأة. 
الولد يبدي قبولاً حينا ورفضًا في بعض الأحيان، وهو لا يستقرّ على حال. وهو ليس الوحيد في ذلك، كثيرون في هذه الدنيا لا يستقرّون على حال.
عين الخيال
اسمها نسرين.
ولدتها أمّها ولادة طبيعيّة مثلما ولدت بناتها الأخريات، لكنّها فقدت بصرها بعد سنوات. قلنا: إنّها الآن في الأربعين. فلماذا لا نعرض عليها أن تتزوّج الولد؟ لعلّها تحمل منه وتلد ولدًا يخدمها ويخدم أباه حينما يكبر ويشتدّ ساعداه. ولماذا لا تكون لثدييها الممتلئين فرصة لإرضاع طفلها الذي ستحمله في بطنها مثلما تحمل النساء؟ 
ومع الأسف، فهي ما زالت ترفض الاقتران بالولد، لأنّها غير واثقة من مستقبلها معه. تشعر كما لو أنّنا ننصب لها الشباك. إلا أنّها كانت ترتاح في بعض الأحيان حينما تسمعه، وحينما تراه بعين خيالها إلى جوارها في السرير. وآنذاك، ينتعش جسدها المخبوء في الفستان الطويل أيمّا انتعاش.
الطفل المنتظر
قلنا: نبني له ولها غرفة صغيرة ومطبخًا وحمّامًا على سطح الدار (ما نبنيه قد تهدمه سلطات الاحتلال في ساعة من نهار). ونقدّم لهما الطعام والشراب، ولن نبخل عليهما بالرحلات إلى شمال البلاد في الصيف وإلى الأغوار في فصل الشتاء. 
تحمّست البنت لفكرة الرحلات ووافقت على الزواج لهذا السبب، ولسبب آخر لا يقلّ أهمّيّة لأنّ في زواجها به تضحية من جانبها كما قالت لها أمّها. ولأنّ من حقّها وحقّه أن يعيشا معًا مثل أيّ رجل وامرأة. 
صار يلتقيها كلّما خرجت مع أختها الصغرى إلى بيت عمّتها، يُسمعها كلامًا بعضه ظريف وبعضه الآخر غير ظريف، تحتمل كلامه وتبتسم في حياء. 
تزوّجته وتزوّجها وعاشا في الغرفة الصغيرة، والطفل المنتظر قد يأتي إلى الدنيا ذات صباح أو ذات مساء. *
أسرار
لم تعد تخرج إلى أيّ مكان إلا وهو معها، يقودها من يدها ويدلّها على الطريق، ولا تجلس في أيّ مكان إلا وهو معها، يجلس بالقرب منها ويتأمّل خدّيها ورقبتها، يتحسّس بيديه شعرها المسترسل الطويل، يتملّى بعينيه رشاقة الساقين. يرنو إلى صدرها المشرئبّ، يمدّ يده لكي يتحسّس امتلاء النهدين، دون أن يكترث لأهله الجالسين معهما على سطح الدار. تصدّه وتقول له بهمس مسموع: اخجل، الناس يروننا. وهو لا يعرف معنى الخجل إلا على نحو محدود. 
يقودها بإصرار إلى الداخل، ولا يستغرب الأهل منه ذلك، فهما ما زالا عريسًا وعروسًا، تنقاد له وتمضي معه، وهناك يغادرها الوقار، تدخل معه في حوار متشعّب، تعلّمه ويتعلّم منها ما شاءت من حكايا وأسرار.
ضحك وبكاء
بعد شروق الشمس بساعتين ولدت طفلها. أخذوها إلى المستشفى. خرج الطفل من بطنها دون صعوبات، وأبوه لم يكن هناك لكي يشاهد طفله بعد لحظات من مولده.
الأب بعد شهرين مات. قتلته رصاصة من جندي أثناء مطاردة في السوق لعدد من شباب الانتفاضة. والأب كان يبحث عن خشب في السوق لكي يبني قنًّا للدجاج. جاءته الرصاصة في خاصرته، عاش بعدها ساعتين ثم مات.
هكذا صدقت التوقّعات. زوّجنا البنت للولد لكي يكون لهما طفل. لكنّ الفرحة لم تكتمل، فالطفل عاش يتيمًا وأبو الطفل مات.
وأمّه الآن أرملة. تبكي حينًا وتضحك في بعض الأحيان، وطفلها يكبر بسرعة كأنّه على موعد مع أشياء مدهشة ليست في البال.
_________
*قاص وروائي فلسطيني 

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *