ماذا بعد الرواية الحديثة؟(2)



لطفية الدليمي

القسم الثاني

رواية ( التعددية الثقافية ) Multicultural Novel :
نشط هذا اللون الروائي في العقود الأخيرة التي شهدت إعلاء فكرة التسامح والتعددية الثقافية والحفاظ على موروثات الشعوب – بما فيها البدائية – وطقوسها الفلكلورية لما تحمله من خبرات وثقافة ثرية و مكتنزة . يمكن تمييز أنواع ثلاثة في هذا الشكل الروائي :
أ . الرواية التي تعتمد على الموروثات الشفاهية البدائية : 
يمثل هذا اللون الروائي صوتاً ناطقاً للثقافة الشفاهية لبعض الجماعات التي مازالت محافظة على ثقافاتها البدائية وَترى فيها ترياقاً ناجعاً للكثير من الأمراض التي تعانيها الحضارة الحديثة نتيجة انقطاع جذورها بالأرض التي تعدُّها هذه الأقوام ( أمّنا المقدسة ) – أمّنا التي أساء لها الإنسان المعاصر إلى أبعد حدود الإساءة . 
ب . الرواية المهاجرة Immigrant Novel:
يرمي هذا اللون الروائي – على وجه التحديد – إلى استكشاف المعضلات التي يعانيها المهاجرون بين جغرافيات ثقافية مختلفة ، وقد نشط هذا اللون الروائي كثيراً بعد طغيان العولمة الثقافية وتزايد موجات الهجرة – حتى بين المراكز الكولونيالية السابقة ذاتها – وما توفره تلك الهجرات من انفتاح على خبرات ثقافية جديدة وإن كانت لاتخلو من مكابدات سايكولوجية وجسدية واقتصادية . 
ج . رواية ( جماعات الأقلية ) Minority Groups Novel :
تعتبر الأقليات في عالم اليوم بمثابة صوت ثقافي ضمن الأصوات الثقافية السائدة في فضاء أية ثقافة رئيسية ، وماعادت مفردة الثقافة المهيمنة محبذة في هذا الإطار بعد أن صارت تشي بميل إلى تهميش الثقافات الأخرى . انتعشت هذه الرواية بخاصة في الفضاء الأوروبي كدلالة على قيم التسامح والتعايش بين الثقافات ، وللتأكيد على أحقية الأقليات في توكيد صوتها الروائي المتفرد . 
الرواية الرقمية Digital Novel:
يدعى هذا الشكل الروائي تقنياً ( رواية النصوص الفائقة أو النصوص التشعّبية ) ، والنص الفائق هو نص على شاشة الحاسوب عند النقر عليه يقود المستخدم إلى معلومات أخرى . تمثل النصوص التشعبية تقدما مهماً في واجهات المستخدم ، حيث أنها تتغلب على قيود النص المكتوب ؛ إذ أنها لا تبقى ثابتة كالنصوص التقليدية ، بل يمكن للقارئ تنظيم المعلومات بواسطة روابط تعرَف بالروابط التشعبية . يمكن تصميم النصوص التشعبية لتأدية مهام متعددة ؛ على سبيل المثال : عندما ينقر المستخدم على نص تشعبي فقد تظهر فقاعة تحوي تعريفا قاموسياً ، أو تظهر صفحة ويب مع معلومات متعلقة بالموضوع ، أو قد يشتغل مقطع فيديو ،،، . تمثل النصوص التشعبيّة الفائقة افتراقاً صارخاً عن كل الأشكال الروائية المتداولة وانغماساً فائقاً في عصر التقنية الرقمية ، ونشهد في هذه النصوص موت المؤلف – أو الأدق نشوء مؤلفين كثيرين للعمل ذاته ، ونعني بذلك القرّاء أنفسهم ، و الارتقاء بدور القارئ إلى مستوى تحديد المسار الروائي بسبب الطبيعة التفاعلية لهذا النوع من النصوص ، وغياب الحبكات الثابتة و تلاشي النهايات المُحكمة المغلقة وحتى المفتوحة بسبب الخيارات الهائلة – غير المحددة عملياً – للامكانيات التي يمكن أن يسلكها النص بحسب خيارات القارئ وطريقة استخدامه للروابط الفائقة . يشكل هذا اللون الروائي تطوراً ثورياً سنلمس تبعاته الهائلة وتطوره إلى أشكال لا تخطر لنا ببال في يومنا هذا.
________
*المدى

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *