استراحة قصيرة في حفلة الأرغن وقصائد أخرى



توماس ترانسترومر : ترجمة جمال الجّلاصي

( ثقافات )


استراحة قصيرة في حفلة الأرغن



يتوقّف الأرغن عن العزف ويطبق الصّمت على الكنيسة
لحظات قليلة لا غير.
يتسلّل هدير حركة المرور الخافت إلى الدّاخل
الأرغن الأكبر.
ها نحن يحيط بنا هدير المرور
حول جدران الكاتدرائية
هناك ينزلق العالم كفيلم شفّاف
وهنا ظلال تتصارع بنعومة.
أسمع خفقة نبضي في الصمت
كأنها توحّدت بصخب الشارع.
أسمع دورتي الدّموية: شلاّل يختبئ داخلي ويرافقني أينما كنت

وقريباً كدمي وبعيداً كذكرى من سنتي الرابعة
أسمع قطاراً يعدو
ويجعل جدراناً ذات الستمائة عام ترتجّ
إنه ليس حضن أمّ
وأنا الآن، رغم ذلك طفل
يسمع حديث الراشدين من بعيد،
تداخل أصوات الرابحين والخاسرين.

على المقاعد الزرق رعيّة متناثرة
والأعمدة تقف كأشجار غريبة
دون جذور (فقط أرض مشتركة)
ولا تيجان (فقط سقف مشترك)

أستعيد حلما قديما: وحيدا في المقبرة
في كل مكان يتلألأ الخلنج على مدى البصر
من أنتظر؟ صديقا. لماذا لم يأت؟
لأنه هنا.
على مهل يطلق الموت الضوء من الأسفل،
من الأرض.
تشعّ الأرض الجرداء بلون بنفسجيّ حارّ
بل بلون لم يعرفه أحد من قبل
إلى أن يصفر نور الصباح بين أجفاني
وأصحو على “ربما” الثابتة
تحملني إلى العالم المتأرجح
وكل صورة تجريدية للعالم تظل مستحيلة
مثل رسم العاصفة.

في البيت تشغل الموسوعة الشاملة
مترا طوليا في مكتبتي
تدرّبت على قراءتها
لكن لكل إنسان موسوعته الخاصة
التي تنمو في كل روح
تُكتب منذ الولادة نحو المستقبل
مئات الآلف من الصفحات المدمجة
لكن النسائم تهزّها دائما
كالأوراق المتراقصة في غابة.
كتاب التناقضات
المكتوب فيه يتغيّر كل لحظة
الصور تنقَّح تلقائيا، الكلمات تلألأ
موجة متصاعدة تتدحرج عبر النصّ
تتبعها موجة، تتبعها موجة.


مارس 79

مللت كل الذين يعبّرون بكلمات،
كلمات دون لغة.
ذهبت إلى الجزيرة المغمورة بالثلج
لا كلمات للوحشيّ.
تنتشر الصفحات غير المكتوبة في جميع الجهات!
أصادف آثار أظلاف الأيائل على الثلج
لغة دون كلمات.

نظرة الشتاء


أميل كسلّم وأبلغ بوجهي
الطابق الأوّل من شجرة الكرز
أنا الآن داخل جرس الألوان
الذي تقرعه الشمس
ألتهم التوت الأحمر الغامق بسرعة أربعة عقاعق

عندما لطمني البرد من بعيد
اسودّت اللحظة
ولم تزل مثل علامة الفأس على الجذع.
منذ الآن يصبح الوقت متأخّرا
نركض خارجين من مرمى النظر
نازلين، نازلين عبر نظام المجاري القديم.
الأنفاق.
نمشي خلالها شهورا
نصفها في الخدمة، ونصفها في الهروب
نصلّي ما أن تُفتَح كوّة فوقنا
وينسكب ضوء خافت
ننظر إلى الأعلى: النجوم تتلألأ عبر قضبان المجاري.


شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *